أسئلة النصر والهزيمة
ثمة مقدّمات للحروب تقود إليها، وتجعل اندلاعها حتميّاً، فاستمرار النكبة والاحتلال، والحصار والاستيطان، والاجتياحات المتكرّرة، وتجاهل المجتمع الدولي، لا يمكن أن تؤدّي جميعاً إلّا إلى الحرب والمواجهة. وثمّة نتائج للحرب تعكس مساراتها وتداعياتها، وتفرض وقائع ومعادلات جديدة. وقد رسم الخبير الاستراتيجي الصيني صن تزو، قبل نحو أربعة آلاف عام، خطوطها ببراعة، فمن يعجز عن استيعاب نتائج الحرب يفنى، بغض النظر عن قوته. وهي معادلة تنطبق على طرفَي الحرب، المنتصر إذا بالغ وضخّم من حجم انتصاره، والمهزوم إذا استسلم لهزيمته، أو لم يعترف بها، وكم من مدّعٍ للانتصار هُزم لاحقًا، وكم من طرفٍ وُصم بالهزيمة، لكنه استجمع قواه، وعاد إلى ساحات الاشتباك أكثر قوة مما مضى! وقديماً قيل الحرب سجال، ونتيجة معركةٍ لا تحسم مسار الحرب، مهما كانت قاسية.
تنطبق القاعدة الذهبية التي قالها صن تزو بالضرورة على حرب الإبادة الجماعية التي شنّها الاحتلال الصهيوني على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، وتوسّعت لتشمل الضفة الغربية، وامتدت إلى لبنان وسورية والعراق واليمن وإيران. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن الحرب بمعناها الشامل لم تتوقف، وإنْ ثمة معارك تراجعت مؤقتاً في لبنان وغزّة وإيران واليمن، وهي مرشّحة لأن تتطور وتتصاعد في أكثر من جبهة، كما يحدث الآن على جبهات لبنان وغزة والضفة الغربية، وبوسائل تمتزج فيها المعارك الحربية مع أدوات الضغط السياسي والدبلوماسي، والحصار والتجويع والتهجير والاغتيالات، وصولاً إلى تجدّد الحرب واتساعها إلى مناطق أخرى في الإقليم.
تختلف معايير النصر والهزيمة، وتتفاوت الرؤى والتفسيرات حولها، سواء على جبهتنا أم على جبهة العدو، وكثيراً ما تتداخل فيها الوقائع والحقائق الملموسة، مع الرغبات والآمال والعواطف، والمناورات السياسية والمحاولات الشعبوية لكسب الجمهور. فإذا تجاوزنا مصطلح النكبة التي أصابت الشعب الفلسطيني في عام 1948، والذي يصوّر الهزيمة في الحرب، فإن التأريخ اللاحق لأداء الجيوش العربية اكتفى بالحديث عن إنجازاتها ومعاركها، مثل معركة باب الواد والقدس، وحصار الفالوجة، وتجاهل عجزها وفشلها وهزيمتها التي أدّت إلى خسارة العرب الجزء الأكبر من فلسطين، فتغلبت رغبة النظام العربي في تثبيت سلطته
ارسال الخبر الى: