أزمة السياسة العربية من منظور الدولة والمجتمع
يمثّل كتاب جويل مجدال الدولة في المجتمع: دراسة كيف تحول الدولة والمجتمعات وتشكل بعضها بعضاً (ترجمة محمد صلاح علي، عالم الآدب للبرمجيات والنشر والتوزيع، القاهرة، 2017) محاولة جذرية لإعادة التفكير في مفهوم الدولة ومكانتها داخل الدراسات المقارنة للسياسة.
لم يكن الكتاب مجرّد إضافة للنقاش النظري، بل شكّل تحوّلاً نوعيّاً في طريقة النظر إلى الدولة: كيف نفهمها، وكيف ندرس تفاعلها مع المجتمع؟ على خلاف التعريف الكلاسيكي لماكس فيبر، الذي رأى الدولة الكيان الذي يحتكر العنف المشروع داخل الإقليم، قدّم مجدال رؤية أكثر تعقيداً: الدولة ليست مجرّد هيكل أو مؤسّسة، بل هي حقل متشابك من الصور والممارسات. تمثل الصور ما تنتجه الدولة عن نفسها: الأعلام، الشعارات، الدساتير، والخطابات الرسمية التي تعكس سيادتها المزعومة. أما الممارسات فهي قدرة الدولة على جعل الناس يتبعون قواعدها في حياتهم اليومية. يوضح هذا التمييز الفجوة بين ما تدّعيه الدولة وما تنجح فعليّاً في فرضه، ويكشف أن الدولة ليست قوة مطلقة، بل هي طرفٌ في شبكة معقدة من الصراعات الاجتماعية والسياسية، متأثّراً بهذا التعريف بعالمي الاجتماع الفرنسيين؛ ميشيل فوكو في تأطيره مفهوم الصورة وبيير بورديو في تأطيره مفهوم الحقل في العلوم الاجتماعية.
لم تتشكّل هذه الرؤية في فراغ؛ فقد تشكّل وعي مجدال أولاً من خلال مقاربة إدوارد شيلز عن المركز والمحيط، التي تصوّر الدولة كمركز يمتلك القوة الرمزية والقانونية لإخضاع المجتمع التقليدي. اعتمد مجدال هذا التصور في بداياته، إلا أن هزيمة عام 1967 أظهرت له محدوديته، فإسرائيل، رغم قوتها العسكرية والبيروقراطية، لم تنجح في إخضاع المجتمع الفلسطيني أو فرض هيمنتها المطلقة، ما دفعه إلى إعادة النظر في نموذج المركز– المحيط (المقاربة المنهجية التي طوّرها إدوارد ميشلز وكان مجدال يتبنّاها)، والبحث عن فهم أكثر دقة لصراع الدولة مع القوى الاجتماعية على الشرعية والهيمنة.
ليست الدولة قوة عليا مطلقة، بل هي طرفٌ في صراع متواصل مع قوى متعدّدة – عشائر، طوائف، حركات دينية، شبكات اقتصادية غير رسمية، ومنظّمات مدنية - تنافس على فرض قواعدها وشرعيتها
كما تأثر مجدال، في بداياته،
ارسال الخبر الى: