أرقام على الحدود جراح في الداخل
رحلة سوريّة من جغرافيا العودة إلى وطن الاستقرار، هذا هو الحلم الذي رافق سوريي الشتات طيلة أربعة عشر عاماً. فهل تحقق؟ وهل يمكن أن يتحقق في المدى المنظور؟ وهل سورية جاهزة لاستقبال أبنائها؟ والسؤال هنا يشمل معاني كثيرة، فهو يعني، في ما يعني، الخدمات والبنية التحتية، فرص العمل، التعليم، البيئة الاجتماعية، والمناخ السياسي، الأمن.
موضوع المهجرين السوريين، خصوصاً من بقي منهم في الدول المجاورة، ظل موضوعاً ساخناً على طاولة المجتمع الدولي، والمنظمات الدولية، لأنه يحمل أبعاداً كثيرة، منها الاقتصادي، ومنها الإنساني، ومنها المتعلق بالمجتمعات المضيفة نفسها. والآن بعد مرور سنة على سقوط نظام الأسد، وفتح صفحة جديدة، ما واقع اللاجئين؟ وماذا تخبرنا الأرقام القادمة من الحدود عنهم؟ وما المتوقّع في هذا الملف؟
تشكل عودة ما يزيد عن مليون لاجئ سوري و 1.8 مليون نازح داخلي في الأشهر الاحدى عشرة التالية لـ 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 نقطة تحول مفصلية في مسار أزمة إنسانية طال أمدها. تُعبِّر هذه الحركة الديموغرافية الهائلة، التي وصفها مسؤولون أمميون بأنها فرصة نادرة، عن تحوُّل جوهري من مرحلة إدارة الطوارئ إلى مرحلة إعادة البناء والاندماج طويلة الأمد. تهدف هذه المقالة إلى تشريح هذا التحوُّل عبر مقاربة تحليلية متعددة التخصصات، تسلط الضوء على التفاعل المعقّد بين العوامل الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية، وتجادل بأن نجاح هذه المرحلة رهين بقدرة جميع الأطراف على سد الفجوات الهيكلية العميقة التي تهدد بتحويل الأمل إلى حلقة جديدة من عدم الاستقرار.
وتمثّل حركة العودة ظاهرة إحصائية استثنائية من حيث الحجم والسرعة. فبالإضافة إلى العائدين من الداخل، تُظهر البيانات تدفقاً كبيراً من دول الجوار، حيث يُقدَّر عدد العائدين من تركيا بنحو 590 ألف شخص، ومن لبنان بنحو 380 ألفاً. لا تعكس هذه الأعداد الحنين إلى الوطن فحسب، بل تكشف عن حساسية حركة العودة للضغوط الاقتصادية والسياسية في الدول المضيفة. فالانهيار الاقتصادي في لبنان، وتصاعد الخطاب السياسي الرافض للاجئين في تركيا، ينتجان بيئة دافعة للعودة، حتى وإن كانت الظروف في الداخل غير مؤهلة بالكامل. وفي
ارسال الخبر الى: