أحلام القطار تحفة كلاسيكية عن أميركا وعذاب بناتها الأوائل
في تداخل دقيق بين سيرة حياة قاطع الأشجار الأميركي روبرت غراينَر، ووصول بلده في أعتاب القرن الـ20 إلى مرحلة تاريخية فاصلة، حَسمَت فيها تحوّله الحتمي إلى إمبراطورية رأسمالية جديدة، يكتب المخرج كلينت بينتلي نصاً سينمائياً كلاسيكياً، يتتبع فيه مسار حياة طفل يتيم، يمضي في دروب غريبة، يكبر فيها وتكبر معه أسئلة محيّرة عن الوجود والموت والعنف، الذي طالما كان شاهداً عليه، ومتأثراً بما تركه من آلام وأوجاع نفسية فيه، لم تفارقه حياته كلّها.
لم يعرف الطفل، الذي ركب القطار المتّجه إلى ولاية أيداهو وهو في السادسة من عمره، لماذا كان وحيداً، من دون رفقة أحد من عائلته. في مدينة فراي، التي كانت أواخر القرن الـ19 كبقية مدن أميركية كثيرة قيد التأسيس، عاش طفولته المُوحشة، مُثقلاً بأسئلة العنف الذي يراه أمام عينيه، ولا يفهم دوافعه، كما لم يفهم لماذا يُطرد العمّال الصينيون، ويُجبرون على مغادرة المدينة.
ينتقل نص أحلام القطار (2025، كتابة بينتلي وغريغ كويدار) بين الأزمان، من دون تسلسل تقليدي، يترك للخيال مساحة بينها، ثم يربط أحداثها باشتغال جمالي، التصوير (أدولفو فيلوسو) أحلى ما فيه. عمله كقاطع أشجار غابات يمنح للكاميرا فرصة مناسبة لأخذ لقطات رائعة من داخلها. جمالها يتداخل مع قسوة، تفرضها الطبيعة على قاطعيها، كما يفرض نمو المدن الأميركية وازدهارها حاجة إلى توسيع خطوط السكك الحديدية، على امتداد مساحات بلد، يطلب مزيداً من الأخشاب والعمال لإتمامها من كل حدب وصوب.
تشغل مساحات السرد في الغابات جزءاً مهماً من مسار فيلم، تجوب حكايته مساحات وتواريخ ممتدة في 80 عاماً، عاش فيها روبرت غراينَر (أداء تمثيلي رائع لجويل أِدغَرتون) حياته كلّها متنقلاً بين غابة وأخرى، مُعايشاً عمالاً مثله لا يعرفون كثيراً عن ماضيهم، ولا تربطهم صلات قوية بمدنهم البعيدة، التي تركوها لضمان عيشهم. يقابل في الغابات أناساً من كل الأوطان، يتعايش معهم بوفاق. المشهد القاسي لمقتل أحد عمّال السكك الصينيين، على أيدي زملاء له، يجرونه عنوة ويرمونه من عَلٍ إلى وادٍ سحيق، بأمر مدير الشركة، يترك فيه شعوراً
ارسال الخبر الى: