أجساد نبيل المخلوفي في احتجاجات فردية
ليس صدفة أن يتقاطع مسار نبيل المخلوفي، الفنان المغربي المقيم في ألمانيا منذ نحو عقدين، مع أسئلة الانتماء والعبور والتداخل الثقافي؛ فتجربته التشكيلية تستأنف حضورها في الدار البيضاء من خلال معرضه ارتدادات، الذي افتتح في فضاء L’Atelier 21 الثلاثاء الماضي ويتواصل حتى الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، إذ تُختبر فيه حدود الهوية وتمثلات الذات بين مركزين، هما مسقط رأسه فاس ومكان إقامته في مدينة لايبزيغ الألمانية.
يجد الزائر نفسه في مواجهة مباشرة مع اللوحة، وليس متأملاً من بعيد. هذه الهيمنة المكانية ليست مجرد تفصيل عرضي، بل جزء من استراتيجية الفنان الجمالية، التي يسعى عبرها أن يضع المتلقي في قلب المشهد، محاطاً بألوان كثيفة وأجساد متوترة، فهو منذ بداياته انشغل بالإنسان في حالته الجماعية؛ الحشود، الانتظار، العبور، في محاولة جعلها كيانات وجودية قلقة في فضاءات لونية مسطحة، أقرب إلى اللامكان.
في عدد من الأعمال، يحضر الفرد وحيداً في فضاء كوني غامض، قارب صغير يتأرجح وسط ماء ملوّن بالأصفر والذهبي، أو هيئة بشرية تسبح في محيط من العتمة المضيئة، فلا تعود التفاصيل المادية مهمة، إنما تتحول الصورة إلى استعارة عن العبور المعلّق، في تركيز على العزلة الفردية حيث يتراجع الحدث المباشر لصالح لحظة تأمل، تُشعر المتلقي بأن ما يراه ليس مشهداً طبيعياً بقدر ما هو تجربة داخلية عنيفة.
تُذكّر الأعمال بالاحتجاجات الشبابية الحالية في مدن المغرب
في المقابل، هناك لوحات أخرى تمتلئ بأجساد متجاورة، مرسومة بألوان برتقالية صارخة، وأخرى شاحبة. وجوه تبدو مأخوذة بالتأمل أو الحيرة، لكنها لا تتواصل مع بعضها، فالجموع لا تمثل وعداً بالقوة، بل انعكاساً للاغتراب الجماعي، والكثرة لا تمنح الأمان بل تضاعف الشعور باللاجدوى، حيث كل فرد محاط بالآخرين لكنه أكثر عزلة في وسطهم.
تُذكّر هذه المشاهد بالاحتجاجات الشبابية الحالية، التي شملت مختلف مدن المغرب، حيث امتلأت الشوارع بجحافل غاضبة، لكنّ الصراع بين الصوت الفردي والعنف الجماعي ظل حاضراً، والمخلوفي لا يرسم متظاهرين مثلما تراهم الكاميرا إنما كما يعيشون في دواخلهم؛
ارسال الخبر الى: