آن فرانك اليهودية الألمانية لم يسعفها التاريخ

٤٥ مشاهدة
هربت عائلة فرانك اليهودية من ألمانيا بعد عامين من استيلاء النازيين على السلطة فيها وتزايد العنف ضد اليهود الابنتان آن ومارغو فرانك ووالداهن استقروا في أمستردام على أساس أن العاصمة الهولندية سوف تحميهم عاشوا أربع سنوات هناك بصورة طبيعية وبعدها ارتفع نشاط الشرطة السرية النازية الغستابو ضد اليهود فاضطرت العائلة للاختباء في أحد الملحقات التابع لمكتبة عامة يعمل فيها الأب أوتو سمتها آن فرانك الملحق السري وكان برفقتهم أربعة يهود آخرون هربوا مثلهم من ألمانيا ولكنهم اضطروا كلهم للانتقال إلى مخبأ آخر بعدما احتلت ألمانيا أمستردام وشعرت العائلة بخطر ترحيلها إلى معسكرات الحرق فكان المخبأ الثاني مخزنا للمواد الغذائية يساعدهم مواطنون هولنديون يمدونهم بالطعام والحاجيات الأساسية وينذرونهم بالأخطار اليومية في النهاية اكتشفت الغستابو مخبأ العائلة بفضل معلومات أبلغ عنها جيران هولنديون وذلك قبل عام من توقف الحرب فنقل جميع أفرادها إلى معسكر الحرق في أوشفيتز في بولونيا ثم نقلت الأختان آن ومارغو إلى معسكر برجن بلسن المخصص أيضا للحرق وعشية تحرير هذا المعسكر النازي توفيت آن فرانك وأختها من وباء التيفوس وفي الوقت نفسه ماتت الأم في أوشفيتز وبقي الأب على قيد الحياة وقد حررته القوات السوفييتية المشاركة في الحرب ضد النازية وهو إذن الناجي الوحيد من العائلة في بداية المخبأ الهولندي حيث لجأت العائلة الهاربة وبمناسبة بلوغها الثالثة عشرة من عمرها تلقت آن فرانك هدية هي دفتر بمربعات حمراء وبيضاء كما تصفه وقررت منذ تلك اللحظة أن تحوله إلى دفتر يومياتها كتبت في أولى صفحاته وكأنها توجه كلماتها إلى الدفتر نفسه آمل أن تكون محل ثقة أن تستقبل كل ما لا أستطيع ان أقوله لغيرك وآمل أن تواسيني وتدعمني ما كتبته آن فرانك تحول إلى كتاب أيقونة عن الهولوكوست ترجم إلى عشرات اللغات وخرج إلى المسرح والسينما ونال جوائز عديدة ملأت آن فرانك هذا الدفتر بشؤون العائلة المختبئة وشجونها بيومياتها علاقتها بأهلها وصحبهم وأفكارها ومخاوفها وتجارب السرية والاختباء والإنذارات الكاذبة والصادقة والخوف في كل لحظة من انكشافها ومشكلاتها مراهقة تتوق إلى الحب إلى مستقبل زاهر وتطمح بأن تصبح يوما ما صحافية أو كاتبة تكتب عن أمها بكلمات قاسية تفاجأ هي نفسها بعنفها فتعدلها وتقول إنها تخلصت من البكاء عند كل كلمة تقولها وإن علاقتها بها تحسنت أصمت عندما أنزعج منها وهي أيضا تصمت هكذا يحصل التفاهم بيننا تلخص علاقتها المعقدة بأمها أحتاج لأمي مثالا بوسعي تقليده ولكن أمي من نوع النماذج التي لا أريد أن أتبعها تعود إلى لحظة وصولهم إلى هولندا هربا من ألمانيا كنا نمشي كلنا تحت المطر الغزير كل واحد منا يحمل كيسا ممتلئا بكل أنواع الأشياء التي رميناها فيه كيفما اتفق كان يمكن أن نقرأ على وجوه المارة عبارات الشفقة علينا وكم هم متأسفون لأنهم عاجزون عن المبادرة إلى أخذنا معهم فالنجمة الصفراء المجلجلة المعلقة على صدورنا تتكلم بنفسها هكذا ألفت آن فرانك كتابها بعنوان دفترها العزيز دفتر يوميات آن فرانك والدها أوتو فرانك الوحيد الذي بقي على قيد الحياة هو الذي اهتم بجمع أوراق هذا الدفتر بمساعدة صديقة العائلة مياب جيز وهي أيضا صاحبة الفضل بإيجاد المخبأ السري وحمايتهم وتزويدهم بالطعام بعدما طبع الكتاب أمضى أوتو فرانك بقية حياته وهو يروجه وبحيث تحول إلى كتاب أيقونة عن الهولوكوست ترجم إلى عشرات اللغات وخرج إلى المسرح والسينما ونال جوائز عديدة تحول مخبأ العائلة إلى متحف يروي تفاصيل قصة العائلة يجاوره نصب تذكاري لضحايا اليهود من الحي الذين لجأوا إلى هولندا وتمكن منهم النازيون وأرسلوهم إلى المحرقة ويتجاوز عددهم الثلاثة عشر ألفا وفي العام 2009 ارتفع تمثال لآن فرنك في وسطه وأصبح النصب مزارا للسياح الراغبين باستعادة التاريخ هذا التمثال منذ أيام تعرض لهجمة رمزية هي كلمة كتبت عليه برذاذ من اللون الأحمر غزة وهذه عملية ليست خارجة عن سياقها فبعد مجازر غزة وكلما تصاعدت أعداد ضحاياها كانت النصب التذكارية لضحايا الهولوكست تتعرض لـاعتداء من هذا القبيل في أوروبا والولايات المتحدة موجة من اللاسامية في تلك البلدان لا تنفصل عن موجة الإسلاموفوبيا والعربوفوبيا والفلسطينوفوبيا ومعنى رمزيتها أنها ليست قاتلة للجسد لا تسيل دماء وحتى الخراب الذي تتسبب به موضعي ويمكن إزالته ولكنها بالنسبة لأهلها تنال من روحهم وذاكرتهم تسخفها تنكرها كأنها تود لو ترميها في النسيان أي عكس المقصود من قيامها أصلا من الذي ارتكب هذه الجريمة الرمزية بالتأكيد ليس اليمين الهولندي المتطرف الذي اخترق البرلمان الأوروبي بنسب تاريخية فهذا اليمين نازي وعنصري تتساوى كراهيته اليهود مع كراهيته الفلسطينيين والعرب وكل أصناف المهاجرين إلى هولندا الصهيونية هي الإيمان بأن لليهود الحق بإقامة دولتهم في وطن أسلافهم أما اللاصهيونية فهي ببساطة النقيض التام لهذه الفكرة والتخمين التلقائي أن الذي فعلها هو من مناصري الفلسطينيين برو فلسطيني كما يسمونهم هناك أي أنه قام بها انتقاما لضحايا غزة ولكن هذا ليس مؤكدا أيضا ويقع في باب الترجيح ولكن المؤكد أنها الجريمة ربطت بين اليهود والفلسطينيين وهي آتية في السياق نفسه لعمليات مشابهة في بقية القارة الأوروبية كما سلفت الإشارة أعلاه حيث كان النيل من نصب وتماثيل لشخصيات يهودية أوروبية أو معابد يهودية أو مبان حيث تطبع نجمة داود على جدرانها إلخ هل كان على المتعاطفين مع القضية الفلسطينية أن يدينوها أولا لا إشارة واحدة في يوميات آن فرانك إلى ما يشبه الصهيونية أو الالتحاق ببقية اليهود المهاجرين إلى فلسطين كل ما تكشفه عن أحلامها المستقبلية أن تصبح صحافية أو كاتبة عندما تكبر وأن تخرج هي وعائلتها من المخبأ إلى الهواء الطلق عائلة فرانك كلها كانت تعتبر عائلة مندمجة في ألمانيا أي أنها لم تعرف البوغرومات والغيتوات ولا البروباغندا الصهيونية ولا فرق الهجرة إلى فلسطين أما والدها أوتو فعاش في أمستردام بعد رحيل العائلة وأنهى حياته في سويسرا بقي أوروبيا ولم يبال بالنداءات الصهيونية التي تدعوه للهجرة إلى فلسطين ثم السجال حول الفرق بين اللاسامية واللاصهيونية في بداية الحرب على غزة انفجرت اللاسامية في أنحاء أوروبا وأميركا وتعرض اليهود لأفعال وأقوال تدين اليهود بوصفهم أبناء دين وهذا لم يضعف الإسلاموفوبيا وكل الفوبيات المتعلقة بنا العربية الفلسطينية بل أعطاها زخما جديدا وضاعت في هذه المعمعة الفروق الجوهرية بين اللاسامية واللاصهيونية وخيضت نقاشات كثيرة بلورتها والمنظمات اليهودية المعادية للصهيونية المشتركة في تظاهرات ضد الحرب في غزة كان لها الدور الأول في إقامة هذا الفرق وخلاصة فكرتها أن الصهيونية هي الإيمان بأن لليهود الحق بإقامة دولتهم في وطن أسلافهم أما اللاصهيونية فهي ببساطة النقيض التام لهذه الفكرة أفكر بأن فتيات غزيات كان يمكن لهن أن يكتبن يومياتهن لو حصلن على بقعة يجلسن عليها ينفردن بأنفسهن يترقبن لحظات الوحي تعرض بعض هذه الجمعيات أشكالا من العداء للصهيونية تستوقفها تلك التي تدعو إلى قتل كل اليهود أو طردهم أو إرغامهم على العيش مواطنين درجة ثانية تحت حكومة إسلامية يعطون مثلا عن هذا النوع من العداء مدرج مار داغستان العام قبل الماضي هجوم الآلاف عليه بعدما سمعوا بخبر نزول طائرة قادمة من إسرائيل ترانزيت كانوا يركضون غاضبين يصرخون الله أكبر وينوون قتل الركاب المسافرين على متن هذه الطائرة التعلق بفكرة اللاسامية الرائجة بيننا ولدواع مفهومة ولكنها غير صحيحة هو تعلق بجوهر أي شعب أو جماعة بأن شرها مطلق عابر للزمان والمكان للتاريخ والجغرافيا مثل إنكار الهولوكوست ومفاده أن اليهود لم يتعذبوا لم يضطهدوا لم يكونوا يوما ما ضحايا وبهذا لا يمكن إقامة سلام معهم صهاينة كانوا أو غير صهاينة إنها الحرب الأبدية بيننا وبينهم منذ بدء الخليقة وحتى القيامة أذكر خلال القصف الرسمي العنيف على حلب منذ عشر سنوات أن فتاة سورية بعمر آن فرانك وبتشجيع من والدتها كانت تكتب لياليها ونهاراتها المرعبة لم تخرج هذه اليوميات إلى النور وأندم اليوم أنني لم أحفظ اسم هذه البنية وأتساءل كل يوم أين أصبحت هي وأمها على أي أرض وأفكر بأن فتيات غزيات كان يمكن لهن أن يكتبن يومياتهن لو حصلن على بقعة يجلسن عليها ينفردن بأنفسهن يترقبن لحظات الوحي ولكن هذا مستحيل في غزة حيث يهجر أهلها من خيمة إلى أخرى والخيم ليست مخبأ إنها فضاء مفتوح على الموت هو يخيم في قلبها

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح