آداب الغناء في مصر تاريخ من محاولات الوصاية
لم تكن المعركة التي اشتعلت في مصر قبل أربع سنوات بين نقيب المهن الموسيقية آنذاك المطرب هاني شاكر، والمطرب الشعبي حسن شاكوش، حول آداب الكلمة المغناة، الأولى من نوعها، بل هي جولة من جولات حرب ممتدة على مدار قرن ونيّف، بين ما يجوز وما لا يجوز أنْ يصدر عن أفواه المغنيات والمغنين.
وإذ انتهت الجولة بتنحّي النقيب عن منصبه، وعودة شاكوش وغيره من مغني الحفلات والمهرجانات إلى الكلام المباح، فذلك لأن صلاحيات رجل واحد، وإن كان نقيباً للمهنة، لا تُملّكه الأدوات اللازمة للوقوف في وجه رغبة جمهور عريض جارفة لسماع نوع من الغناء، يرى نقّاد وقيِّمون ومتذوقون أنه غناء رخيص.
موشحات أم طقاطيق.. سيرة مجتمع
تتتبّع الباحثة المصرية فيروز كراوية في كتابها كلّ دا كان ليه (دار ديوان الشرق، 2022)، جذور الغناء في مصر الحديثة، وأشكاله العاميّة والفصيحة، وثماره الحلوة والمُرّة، من مطلع القرن التاسع عشر، حتى عصر اللُّعب اللفظية والفيديو كليب والغناء الإلكتروني، والمنصّات الرقمية التي حررت الغناء من كل سلطة رقابية، رسمية سياسية، أو اجتماعية أخلاقية، أو أدبية نقدية. وأهم ما يميّز منهجية الكتاب أنها تفسر الظواهر الغنائية من خلال ربطها بالمتغيرات السياسية والتحولات الطبقية، ليبدو صراع الذائقة الفنية الذي شهدته ساحة الغناء، طوال العصر الحديث، بين أداء راقٍ، وأداء مبتذل، سيرة ذاتية للتاريخ الاجتماعي في مصر ومحيطها العربي.
رأى الخلعي أن الموسيقى صناعة أهل الذوق والفطنة والأدب
ينقل كتاب الموسيقى الشرقي لمحمد كامل الخُلَعي (1879-1931) صورةً من صور الفكر الموسيقي في عصره، الذي تقول فيروز كراوية إنه شهد تطورات كبرى في الحياة الثقافية والفنية بتوجيه من الخديوي إسماعيل، الذي أنفق إنفاقاً باذخاً على المرافق العامة، وتأسيس المسارح الكبيرة، والسيرك، والأوبرا في حديقة الأزبكية. لكنّ هذه التطورات لم تقنع الخُلعي الذي كان يؤمن أن الغناء حالة روحانية لا يبلغها إلا ذو نصيب وافر من الثقافة والذوق والرّقي.
انطلق فكر الخلعي من فلسفة الطبيعة القائمة على الانسجام بين العناصر، والتناسب والتكامل والتناغم بينها، وهي فلسفة تبنّاها القدماء، من أفلاطون
ارسال الخبر الى: