آخر أيام نزل البحيرة في تونس

في ديسمبر/ كانون الأول 2024، وخلال جولة لعدد من الصحافيين العرب الشبّان، وسط العاصمة التونسية، خُصصت لاكتشاف تحولات المدينة في ظل المرحلة الاستعمارية، وعندما انعطفت الحافلة، صوب شارع محمد الخامس، سارعت الدليلة السياحية، إلى اختطاف الميكروفون، وبانفعال طلبت من الجميع الالتفات نحو اليمين، ليشاهدوا مبنى فندق نزل البحيرة، الذي يتخذ في تصميمه شكل مثلث مقلوب: انظروا، هذه التحفة المعمارية التي لا يُعرف لليوم كيفية بنائها!.

أثار تعليقها موجة من السخرية لدى الجميع، ففي الواقع، ليس التصميم معجزة في ذاته، بل هو معروف لدى أهل الاختصاص، ولدى جيل كامل ممّن تربوا على مشهد هذا المبنى، الذي طالما مثّل لهم نموذجاً على العمارة العصرية والتحديث الذي عرفته تونس منذ أواخر الستينيات. اليوم من المتوقع لهذه المشاعر أن تندثر، عندما انطلقت نهاية الشهر الماضي أشغال هدم الفندق. رغم الاحتجاجات، انطلقت العملية، التي لا تهدد بنسف معلم سياحي فقط، بل تهدد بمحو مرحلة من تاريخ المدينة العمراني، وجزءٍ من هويتها التراثية.

صمّم مبنى النزل معماري شاب، قادم من كلية العمارة بإيطاليا، هو رافائيل كانتيجاني، مطلع سبعينيات القرن الماضي، ضمن سلسلة من الإنشاءات الضخمة، وبتكليفٍ من بورقيبة نفسه، الذي اختار عدة أسماء شابة للقيام بمهمة عصرنة عاصمته، ومنحها ألقاً جديداً، يخولها لأن تكون واجهة سياحية جذّابة. في أطروحتها التنمية التراثية والصورة السياحية لتونس في القرن العشرين (2016)، أشارت أسماء بن حسن إلى هذه الموجة، من الإنشاءات الجديدة، والمستمدة من تيارات ومدارس مختلفة: النمط الأندلسي، النيوكلاسيكي والمستعرب وغيرها.

شكّل المبنى مقاربة جديدة تبناها معماريون تونسيون لاحقاً

وذلك في إطار محاولة خلق موازنة بين التحديث والحفاظ على الهوية البصرية ومعالم من التراث المعماري المحلي. ومع ذلك، جاء نزل البحيرة، متفرداً بمقاربة أكثر تطرفاً وقطعاً مع كلّ ما هو محلي، إذ صمّمه صاحبه وفق أسلوب مستحدث لم يُجرب من قبل، هو التيار الوحشي Brutalisme، القائم أساساً على مضاعفة حضور الخرسانة والأشكال القاسية والضخمة، وذلك بتأثير من الأساليب القادمة من الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية، ليصبح بذلك