مهرجان مأرب للفروسية حدث غير عادي

على الرغم من مرارة الصراع الذي خاضته محافظة مأرب على مدى أكثر من عقد مع المليشيات الحوثية، والذي استهدف تدمير المجتمعات المحلية وتجريف هويتها، فقد ترك هذا الصراع الدامي ندوباً على الجغرافيا المحلية، ربما يستغرق اندمالها عقوداً من الزمن.

ومع حجم العنف المستخدم في هذا الصراع، إضافة إلى امتداده الزمني، إلا أن الحرب على مأرب، على الرغم من ضراوتها، لم تنل من عزيمة وإرادة المجتمعات المحلية، ولن تستطيع كسر إرادة الصمود في مأرب، المسنودة بطلائع الوطنيين من كافة محافظات الجمهورية: شرقاً، وغرباً، وشمالاً، وجنوباً.

إن الالتفاف المحلي والوطني حول مأرب أثناء الصراع أعطى مأرب رمزيتها التاريخية القومية في التاريخ الوطني، وهي رمزية غابت طويلاً.

سكتت المدافع وهدير الرشاشات، ونهضت مأرب مجدداً، على الرغم من آلام الصراع، عبر فعالية بسيطة في شكلها، كبيرة في رمزيتها.

وأظهرت مأرب، من خلال فعالية رياضية هي مهرجان سباق الخيل (الموسم الثاني 2025م)، والذي اختُتم الثلاثاء الماضي الموافق 14 أكتوبر 2025م، طموحاتها المستقبلية في السلام والاستقرار والتعايش، عبر رؤى جديدة تستوعب طاقات الناس بعيداً عن العنف، ومن جهة أخرى تستعيد الهوية التاريخية كرافدٍ مهم وحيوي لبناء الهوية المتجذّرة تاريخياً.

كانت هذه الفعالية مبادرة شبابية حصلت على دعم السلطة المحلية ومساندتها، وقد استوعبت المبادرة جميع الراغبين دون تمييز، من كل مساحة الوطن: من الساحل الغربي في الغرب، إلى لحج وشبوة في الجنوب والشرق.

إن استجابة اليمنيين ورغبتهم في المشاركة في هذا المهرجان، الذي لا يزال في بدايته، تُعطي دلالة على مكانة مأرب كرمزية للخير والعطاء، متجاوزةً مخلفات الصراع وتقاطعاته الحادّة.

إن صدى هذا المهرجان البسيط يضع مأرب وجهاً لوجه مع التحديات المستقبلية في ظل صراع طويل ومعقّد، وقد كشف هذا الحدث عن مركزية مأرب مجدداً.

ومن هنا نقول بوضوح: لا يمكن تقزيم مأرب وتفصيلها بمقاسات ضيّقة، مناطقية أو أيديولوجية؛ فقد قُدّر لها أن تكون “بلدةً طيبةً ومتسامحةً”، قال تعالى: “بلدة طيبة ورب غفور”.

إن بناء مأرب كجغرافيا نموذجية للتسامح والتعايش، ونموذج جغرافي للعيش المشترك، وجغرافيا مفتاحية للتحولات