قراءة محدثة في رؤية صهيونية لتفتيت العالم العربي

40 مشاهدة
نشرت صحيفة كيفونيم الاتجاهات العبرية في فبراير شباط 1982 مقالا مطولا حمل عنوان استراتيجية من أجل إسرائيل في الثمانينيات كتبه الصحافي والدبلوماسي الإسرائيلي السابق عوديد ينون ولخطورة ما ورد فيه اهتمت به رابطة الخريجين العرب في الولايات المتحدة وكلفت أستاذ الكيمياء العضوية في الجامعة العبرية ورئيس الرابطة الإسرائيلية للحقوق الإنسانية والمدنية الناشط الحقوقي الإسرائيلي الراحل يسرائيل شاحاك بترجمته إلى الانكليزية ونشرت الترجمة بعنوان الخطة الصهيونية للشرق الأوسط مصحوبة بمقدمة وخاتمة كتبهما شاحاك نفسه في هذا المقال أو الدراسة القصيرة قدم ينون لإسرائيل نصيحة مفادها بأنه ينبغي لها ألا تعتمد في تحقيق أمنها على مفهوم التفوق العسكري والتكنولوجي وحده فالعالم العربي يملك من الموارد البشرية والاقتصادية أكبر بكثير مما لدى إسرائيل ما يتيح له القدرة على حسم الصراع مع إسرائيل لصالحه على المدى الطويل خصوصا إذا تمكنت الأنظمة العربية من المحافظة في الحد الأدني على التضامن فيما بينها أو أتيح لبعض الدول العربية أن تتحد حول هدف معين مثلما حدث في مراحل تاريخية مختلفة ولذا يقترح على إسرائيل تبني استراتيجية موازية تعمل على تفتيت العالم العربي إلى دويلات ترسم حدودها استنادا إلى معايير عرقية أو دينية أو طائفية أو مذهبية أو قبلية ولأن العالم العربي ليس كلا موحدا إنما يضم دولا عديدة متباينة الأحجام والأوزان يشتمل كل منها على تجمعات عرقية ودينية وطائفية ومذهبية وقبلية متنوعة ومتصارعة في الوقت نفسه فإن الاستراتيجية التي يقترحها كفيلة على المدى الطويل من وجهة نظره طبعا على تحقيق الأمن المطلق بالنسبة لإسرائيل فحين يتحول العالم العربي إلى دويلات طائفية تصبح إسرائيل لا دولة متسقة مع محيطها الإقليمي فحسب إنما الدولة الأقوى والأقدر على ضبط التفاعلات في المنطقة برمتها لم يكن ينون أول من طرح هذه الفكرة فقد سبقه إليها دبلوماسيون وسياسيون وعسكريون ومثقفون وأكاديميون كثر وأضاف إليها آخرون من بعده غير أن كاتب هذه السطور يولي عناية خاصة لما قاله ينون بالذات في الموضوع وهذه ليست المرة الأولى التي يكتب عنها فسبق له أن كتب عنها سلسلة متتالية من المقالات نشرت في صحف عربية مختلفة أردنية ومصرية وسعودية وفي مراحل تغطي العقود الثلاثة السابقة على الأقل ويعود الاهتمام المتجدد لدى كاتب هذه السطور بأطروحة ينون بالذات إلى سببين رئيسيين الأول شخصية ينون نفسه لأنه لم يكن مجرد صحافي أو دبلوماسي سابق لكنه شغل أيضا منصب المستشار السياسي لرئيس وزراء إسرائيل الأسبق آرييل شارون ما يعني أنه اقترب كثيرا من المطبخ السياسي الإسرائيلي وأصبح ملما بما يخطط له داخل مراكز صنع القرار الصهيوني ففي المقدمة التي كتبها للنسخة المترجمة إلى الإنجليزية وصف شاحاك مقال ينون بأنه الأكثر شمولا والأدق تعبيرا عما يدور في العقل الصهيوني ليس على الصعيد الفكري فحسب إنما على الصعيد الحركي أيضا الثاني تاريخ النشر فقد نشر مقال ينون بعد أقل من ثلاثة أعوام على توقيع مصر معاهدة سلام مع إسرائيل وقبل أشهر قليلة من اجتياح لبنان واحتلال بيروت 1982 ومنذ ذلك التاريخ وفي كل مرة يواجه النظام العربي تحديا كبيرا مثلما حدث في أعقاب الغزو الأميركي للعراق أو في أعقاب ثورات الربيع العربي أو صفقات أبراهام كان كاتب هذه السطور يشعر بأن الواجب يفرض عليه تذكير الشباب العربي بأن توقيع الأنظمة العربية معاهدات سلام مع إسرائيل لا يضمن للعالم العربي أمنا أو استقرارا أو ازدهارا إنما هي مجرد إجراء عابر تلجأ إليه إسرائيل لضرورات مرحلية لكنها لا تتخلى مطلقا عن استراتيجيتها الأساسية التي تستهدف تفتيت العالم العربي واليوم ينتاب كاتب هذه السطور الشعور نفسه بأن العالم العربي يواجه تحديا كبيرا وخطيرا فسقوط نظام بشار الأسد يغري إسرائيل للعمل على إعادة إحياء مشروع تفتيت العالم العربي انطلاقا من سورية هذه المرة بعد أن فشلت في وضعه موضع التنفيذ انطلاقا من لبنان عام 1983 وتعثرت عملية إعادة إطلاقه من العراق عقب الغزو الأميركي عام 2003 فعقب سقوط نظام بشار لم تكتف إسرائيل بالتدمير التام لكل ما تبقى من مقدرات الجيش السوري كي تضمن بقاء الدولة السورية ضعيفة وعاجزة عن إدارة مرحلة انتقالية هشة إنما سعت على الفور إلى تغذية وتعميق الصراعات الطائفية خصوصا حين عبرت علنا عن استعدادها التام للتدخل العسكري في سورية من أجل حماية الدروز وعن رفضها للوجود العسكري التركي في سورية لا حرصا على سلامة واستقلال الدولة السورية إنما رغبة في توظيف الورقة الكردية أداة في مخطط يستهدف تفتيتها ومن الطبيعي في سياق كهذا أن يتولد لدى كاتب هذه السطور شعور بأنه ربما يكون من المفيد إعادة تذكير الأجيال الشابة بالمخطط الصهيوني الذي يستهدف تفتيت العالم العربي ما يفسر عودته اليوم إلى الكتابة عن مقال كتب منذ أكثر من 40 عاما وبعد أقل من ثلاث سنوات من توقيع أكبر دولة عربية معاهدة سلام مع إسرائيل معاهدات سلام مع إسرائيل لا تضمن للعالم العربي أمنا أو استقرارا أو ازدهارا إنما هي مجرد إجراء تلجأ إليه إسرائيل لضرورات مرحلية يرى ينون أنه لا مكان لدولة فلسطينية مستقلة أو حتى لحكم ذاتي على أي جزء من الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 لأنه يعتبر جميع هذه الأراضي حقا تاريخيا لليهود وحدهم صحيح أنه لا ينكر وجود شعب فلسطيني بل يعتقد أيضا أنه شعب يستحق العيش في دولة مستقلة لكنه يرى أن لهذا الشعب دولة هي الأردن وأنه يعيش فيها بالفعل كما يرى أن الحل الوحيد بالنسبة للاجئين الفلسطينيين هو توطينهم حيث يقيمون حاليا وبالنسبة لمصر أكبر الدول العربية المجاورة لإسرائيل يرى ينون أنها تحولت دولة قديمة ومتهالكة تسيطر عليها بيروقراطية رثة ومعوقة بالتالي لم تعد تشكل أي تهديد استراتيجي لإسرائيل الأغرب أنه يرى أن على إسرائيل أن تسعى لاسترداد سيناء من جديد في أي وقت تراه مناسبا ويعتقد أن إسرائيل تستطيع تحقيقه خلال 24 ساعة كما يرى أن إعادة احتلال سيناء يمثل ضرورة قصوى بالنسبة لإسرائيل ليس لاستيعاب سكان قطاع غزة المكتظ فحسب إنما أيضا لاستيعاب المهاجرين اليهود الجدد الذين يتوقع أن يتدفقوا على إسرائيل تباعا خلال السنوات المقبلة أما الأجزاء المتبقية من مصر بعد استقطاع سيناء فيرى تقسيمها بين ثلاث دول على الأقل سنية في شمال الدلتا وقبطية في الصعيد ونوبية في الجنوب الغربي للبلاد وحين تصبح مصر بلا سلطة مركزية ومجزأة على هذا النحو يسهل تقسيم دول أخرى مجاورة ليبيا والسودان إلى دويلات صغيرة يرى ينون أن مصر تحولت دولة قديمة ومتهالكة تسيطر عليها بيروقراطية رثة ومعوقة لم تعد تشكل تهديدا لإسرائيل على صعيد آخر تحتل منطقة المشرق العربي موقعا رئيسيا في أطروحة ينون التفتيتية ولأن لبنان كان يبدو تحت تأثير الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975 مجزأ بين خمسة أقاليم تسيطر على كل منها عائلة تنتمي إلى طائفة بعينها فقد اعتقد ينون أن تقسيم لبنان على أسس طائفية أصبح مسألة وقت أما سورية فكان يرى أن بنيتها الطائفية تساعد على تفكيكها إلى عدة دويلات واحدة شيعية في طول الساحل الغربي ودويلتان سنيتان في كل من حلب ودمشق ورابعة درزية تبدأ من الجولان وتمتد إلى شمال المملكة الأردنية ولأنه تصور أن الحرب التي شنها العراق على إيران عمقت من حدة صراعاته الداخلية المتفاقمة فقد اعتقد ينون أن احتدام هذه الصراعات يساعد على إنضاج العوامل اللازمة لتقسيم العراق بين ثلاث دويلات طائفية واحدة شيعية في الجنوب وثانية سنية في الوسط وثالثة كردية في الشمال وعلى المنوال نفسه راح ينون ينسج خطوط تقسيماته الطائفية للمنطقة بما في ذلك المغرب العربي وشبه الجزيرة العربية وعلينا أن نتذكر أن من كتب هذا الكلام ليس عضوا حاليا في حزب إيتمار بن غفير أو بتسلئيل سموتريتش ولكنه دبلوماسي سابق في وزارة الخارجية الإسرائيلية ومستشار لشارون ولأن المقام لا يتسع هنا لعرض كل ما طرحه ينون من أفكار ورؤى على هذا الصعيد فمن الطبيعي أن تثور في سياق ما تقدم تساؤلات حول علاقة ذلك كله بما يجري اليوم في الساحة العربية تكفي نظرة سريعة على ما يجري حاليا لإدراك أن المخططات الرامية لتفتيت العالم العربي وتقسيمه بين كيانات طائفية تسير على قدم وساق صحيح أن الخريطة الحالية للعالم العربي لا تتطابق تماما مع ما طرحه ينون ومع ذلك يصح القول إن الفارق بين الاثنين ليس في النوع إنما في الدرجة فالسودان انقسم منذ سنوات بين دولتين تدور في إحداهما حاليا حرب أهلية طاحنة قد تنهي بتقسيمها بين عدة دويلات وكذلك الحال في الصومال التي ننسى أحيانا أنها دولة عضو في جامعة الدول العربية وفي ليبيا حاليا حكومتان وثلاثة أقاليم شبه منفصلة وحرب أهلية تبدو خامدة حاليا لكنها قد تعود إلى الاشتعال في أي لحظة أما قطاع غزة فقد أحالته إسرائيل إلى مكان غير قابل للحياة وما تزال تدور فوق ساحته حرب إبادة جماعية تستهدف إجبار الفلسطينين على الهجرة إلى شبه جزيرة سيناء المقيدة بسلاسل معاهدة أحالت أهم بوابات الأمن المصري منطقة شبه منزوعة السلاح أما الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان عقب مساندة حزب الله للفلسطينيين فقد أصابت التماسك الهش للجبهة الداخلية في لبنان بهزة عنيفة ولأن إسرائيل ما تزال تصول وتجول في سورية التي أصبحت معرضة بالفعل للتفتت إلى دويلات طائفية متصارعة فليس من المستغرب في سياق كهذا أن يعلن نتنياهو صباح مساء أن إسرائيل على وشك تحقيق نصر مطلق وأصبحت قادرة على إعادة تشكيل المنطقة من جديد وهي عبارة توحي في حد ذاتها بأن المخطط الصهيوني لتفتيت العالم العربي يوشك أن يتحول أمرا واقعا لا يقول كاتب هذه السطور هذا لأن شعورا دفينا بالهزيمة أو بالمرارة بدأ يجتاحه فهو على يقين من أن الهزيمة ستكون في النهاية من نصيب المشروع الصهيوني ولكن آملا أن تستيقظ الأنظمة والشعوب العربية من نعاسها الذي طال فلن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح