حديث الموهبة

45 مشاهدة
الموهبة لا تكتسب بل تمنح أولا إذ يولد البشر بمواهب كامنة فيهم ثم تعمل الظروف المحيطة بهم على إظهارها أو تدميرها وهذه المواهب هي محل التفاوت بين الناس كما يقول الشاعر أحمد شوقي لولا مواهب في بعض الأنام لما تفاوت الناس في الأقدار والقيم الأمر المهم في الموضوع هو أن يكتشف المرء منا موهبته الحقيقية ويا حبذا أن يكون هذا الاكتشاف في وقت مبكر حتى يصقلها ويبرزها لا أن يضيع الوقت في اكتساب موهبة ليست ثوبه الحقيقي فلا هو وجد موهبته ولا هو أجاد ما يلهث وراءه عندما تكتشف موهبتك الحقيقية تبدأ في صقلها كما يصقل السيف المعد للنزال وما الدنيا إلا قتال نحن فيه مقاصد للحسام وللقناة لكن لا تقل لي ليس عندي موهبة لأن هذا الكلام غير صحيح فأنت عندما تخيب في ناحية من نواحي الحياة حاولت المغامرة فيها فلا يعني هذا أنك فاشل بل يعني أنك لست مؤهلا لهذا المنحى الذي سلكته في الحياة فابحث عن طريقك الصحيح الذي يسر لك فقد يعجبك كاتب معين فتقرر أن تصبح كاتبا جميل لكن من قال إن لك موهبة الكاتب جربت ولم تفلح إذن أنت لم تولد كاتبا ولا هذه موهبتك وعلى ذلك فقس في كل نواحي الحياة يولد البشر بمواهب كامنة فيهم ثم تعمل الظروف المحيطة بهم على إظهارها أو تدميرها هكذا حياتنا يا صاحبي تعدد وتنوع في مواهب الخلق حتى لا يصير الناس صبغة واحدة من اللون نفسه فيملها الناظرون بل أزواج من نباتات شتى وكذلك مواهب البشر وللظروف المحيطة من المجتمع والأسرة الدور الكبير في صقل أو طمر هذه المواهب ونحن في شرقنا التعيس نقبر الكثير من المواهب الطموحة والنفوس تواقة للأعالي تحت ركام البيروقراطية المستفحلة فينا والتجاهل المقيت استجابة لظروف سوق العمل أو التقاليد أو غيرها وذلك لأننا ألفنا أن الابن امتداد أبيه وأسرته فابن المزارع سيصير مزارعا وابن الشيخ سيصير شيخا وابن الموظف موظفا أو كما يقول الشاعر وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه حتى من كان مخاتلا محتالا ترى أولاده كذلك الاستثناءات قليلة بيد أن هذه الحتمية الغريبة صنعتها تقاليد مجتمعية في لحظة منسية من تاريخ طويل لا يستطيع أن يقتنصها حتى المؤرخ الحصيف فصارت دستورا غير مكتوب مثل الأعراف القبلية المتداولة منذ سبأ الأولى حتى اليوم لكني أرى أن هذه الأعراف ليست حتمية حتى نستمسك بها ونستكين لحكمها الجائر وفي نهاية المطاف تذكر أنها حياتك يا صاحبي فكن ما شئت المهم أن تكون مع موهبتك التي تجد نفسك فيها الحتمية الغريبة صنعتها تقاليد مجتمعية في لحظة منسية من تاريخ طويل لا يستطيع أن يقتنصها حتى المؤرخ الحصيف يحدثنا الدكتور مصطفى محمود عن طفولته ونحن نعرف ما أصبح فيقول كانت طفولتي كلها أحلام وخيال وانطواء وكنت دائما أحلم وأنا طفل بأن أكون مخترعا عظيما أو مكتشفا أو رحالا أو عالما مشهورا وكانت النماذج التي أحلم بها هي كريستوفر كولمبس وأديسون وماركوني وباستير اخترت دراسة الطب وشعرت ساعتها أنها ترضي فضولي وتطلعي إلى العلم ومعرفة الأسرار وكانت الدراسة صعبة وتحتاج إلى إرادة وتركيز ونوع من الانقطاع والرهبانية واحتاج الأمر مني إلى عزم وترويض ومعاناة وكان حبي للعلم وطموحي يساعدني وكانت صحتي الضعيفة تخذلني وبدني المعتل يضطرني إلى الاعتكاف من وقت لآخر في الفراش وفي السنة الثالثة طب احتاج الأمر إلى علاج بالمستشفى سنتين وأدى هذا الانقطاع الطويل إلى تطور إيجابي في شخصيتي إذ عكفت طول هذه المدة على القراءة والتفكير في موضوعات أدبية وفي هاتين السنتين تكونت في داخلي شخصية المفكر المتأمل وولد الكاتب الأديب وحينما عدت إلى دراسة الطب بعد شفائي كنت قد أصبحت شخصا آخر أصبحت الفنان الذى يفكر ويحلم ويقرأ ويطالع بانتظام أمهات كتب الأدب والمسرح والرواية وبسبب هذه الهواية الجديدة التي ما لبثت أن تحولت إلى احتراف وكتابة منتظمة في الصحف في السنوات النهائية بكلية الطب أستطيع أن أقول إن المرض والمعاناة والعزلة الطويلة في غرف المستشفيات قد فجرتا مواهبي والألم كان الأب الحقيقي والباعث لكل هذه الإيجابيات والمكاسب التي كسبتها كإنسان وفنان وأديب ومفكر وهنا أسرد أيضا قصة أستاذنا الكبير مجدي سعيد الكاتب العلمي وأول رئيس تحرير لمجلة Nature العلمية بنسختها العربية والتي عرضها في مذكراته المفاتيح المكسورة التحق الدكتور مجدي سعيد بكلية الطب عام 1979 تحت ضغط المجموع والأهل بالرغم من حلمه الذي راوده منذ الصغر بدراسة الصحافة وهناك عرف الحركة الطلابية وانضم إليها والتي كان لها الأثر الأعظم في تكوين شخصيته وتوسيع مداركه في كل مناحي الحياة وعلى الرغم من دراسته للطب وعمله به لعدة سنوات إلا أنه لم ينس حلمه القديم وقام بمحاولات عديدة للعمل في مجال الصحافة ودراستها ثم أتيحت له الفرصة بعد بضع سنوات للالتحاق بمعهد الدراسات الأفريقية بالقاهرة بين عامي 1994 1996 وهنا كانت نقطة التحول في حياة الدكتور مجدي سعيد فقد درس هناك الأنثروبولوجيا التي أتاحت له العمل على بعض البحوث في مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية وبعدها حصل على بعثة تدريبية في بنك جرامين ثم عاد لينغمس بعد ذلك في عدة تجارب إعلامية هامة كما ساهم بتأسيس وعضوية مجلس إدارة ورئاسة الرابطة العربية للإعلاميين العلميين وهي مبادرة كان الهدف منها محاولة الارتقاء بالإعلام العلمي العربي كما شارك بصفة مشرف تدريبي في برنامج الاتحاد الدولي للإعلاميين العلميين بالإضافة إلى عمله لبضع سنوات مشرفا على وحدة البحوث لإحدى شركات الأفلام الوثائقية وأظن أن في هذا الحديث رسالة واضحة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح