عبد الرحمن منيف الجانب المغفل من حقل النفط والسياسة

١٣٤ مشاهدة
منذ روايته الأولى الأشجار واغتيال مرزوق عام 1973 دشن الروائي عبد الرحمن منيف 1933 2004 واحدا من أبرز مسارات الرواية العربية فضلا عن كتاباته المختلفة في النقد والفن التشكيلي والسيرة والمراسلات فاقت في مجموعها ثلاثين كتابا لكن الفترة التي أعلن فيها عن نفسه صاحب مشروع روائي في سن الأربعين كان هو ذاته خبيرا لامعا في اقتصاد النفط بعد نيله درجة الدكتوراه في هذا الحقل من جامعة بلغراد عام 1961 وترك إرثا كبيرا من الكتابة التحليلية في هذه الثروة التي خطت بحبرها جغرافيا سياسية في العالم الثالث منذ الاستعمار التقليدي إلى الاستعمار الجديد وفي كتابه المقبل باللغة الإنكليزية يسعى البحريني عمر الشهابي أستاذ الاقتصاد السياسي العالمي ودراسات الشرق الأوسط في جامعة ليدز لمعاينة هذا الجانب المغفل من حياة منيف وهو ما قدم من أجله محاضرته مساء أول من أمس الثلاثاء في وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية بـالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة ضمن أولى المحاضرات الشهرية للموسم الجديد بعنوان النفط والتنمية في فكر عبد الرحمن منيف عرض الشهابي مفاصل تاريخية ثلاثة من تحليلات منيف لثروة النفط وسيكون منيف واحدا ممن يتضمنهم الكتاب المنتظر إضافة إلى آخرين تناولوا تاريخ الاقتصاد السياسي في الخليج العربي ومنهم عبد الله الطريقي وعبد الرحمن النعيمي وعلي خليفة الكواري ومحمد عبيد غباش وخلدون النقيب وعبد الرحمن منيف بحسب ما يذهب إليه المحاضر لم يكن لديه دور في صناعة النفط إنما كان محللا ذا قضية أساسية تنقد النظام الاقتصادي العالمي والعلاقات الاستغلالية والتبعية والنظام غير المتكافئ بين البلدان الصناعية والنامية والحاجة إلى نظام اقتصادي دولي جديد قائم على التعاون والسيادة وضع الشهابي أمامه ثلاث حقب استنادا إلى كتابات منيف منذ بداية القرن العشرين إلى أوائل السبعينيات والأخيرة كانت في نظر منيف حاسمة لجهة إعادة تنظيم العلاقات بين الولايات المتحدة والوطن العربي والعلاقات العالمية على نطاق أوسع وهذه السبعينيات المفصلية التي مر عليها خمسون عاما وبالتالي خمسون على كتابات منيف هي الحقبة الثالثة تبعا لسيرورة البحث عند منيف والتحقيب التاريخي لا بد أن يؤسسه منيف على مفاصل تاريخية ثلاثة منذ ما قبل الحرب العالمية بقليل حتى السبعينيات واستفاد الشهابي على الأغلب من كتاب صغير بعنوان مبدأ المشاركة وتأميم البترول العربي نشره منيف عام 1973 في أثناء وجوده في بيروت ثم الأعداد الشهرية لمجلة النفط والتنمية التي صدرت في بغداد وكان يتولى رئاسة تحريرها بدءا من العدد الأول عام 1975 وانتهاء بعدد السادس من السنة السادسة في آذار مارس 1981 حين غادر العراق في خضم الحرب العراقية الإيرانية والمجلة التي استعار الشهابي منها عنوان محاضرته كانت الأكثر انتشارا في الوطن العربي بعد توقف مجلة نفط العرب التي كان يترأسها السعودي عبد الله الطريقي وشعارها نفط العرب للعرب أما شعار مجلة النفط والتنمية التي تشارك فيها قوميون وشيوعيون فكان من أجل فكر علمي ووطني في قضايا النفط والتنمية من أجل تعميق وعي الجماهير ومشاركتها حقبة الامتيازات ولدينا بحسب ما استخرجه المحاضر من قراءة تراث منيف الحقبة الأولى وهي حقبة الامتيازات النفطية وتبدأ من قبل الحرب العالمية الأولى إلى بداية الخمسينيات وأكثر ما شغل منيف كان فهم العلاقات التي شكلت الجغرافيا السياسية للنفط وبخاصة في الشرق الأوسط من طرف والقوى الغربية من طرف آخر فالنفط عند منيف كان يفترض أن يتمتع بقدر كبير من الإمكانات لتحسين أحوال الوطن العربي بيد أنه كما نظر منيف كان لعنة على هذا المنطقة وسببا لاستغلالها من القوى الخارجية ما نشر ظروفا اقتصادية وسياسية متخلفة حسب تعبيره وبالتحديد لاحظ المحاضر أن الرأسمالية والاستعمار وشكل العلاقات العالمية للنفط جعلوا منيف يركز في هذه الحقبة على فهم دور الولايات المتحدة ضمن نظام الامتيازات النفطية الذي كان السبب الرئيسي في دخول الولايات المتحدة إلى المنطقة بوتيرة متصاعدة مع انتهاء الحرب العالمية الأولى كان النفط مدخلا أساسيا للاستعمار والتدخل في أنظمة الحكم وحسب ما خلص إليه المحاضر في هذه الحقبة التي انكب منيف على تشريحها فإن المصالح التجارية ولا سيما الترابط بين رأس المال المصرفي والصناعي هو ما دفع شركات النفط إلى التوسع العالمي ضمن مصالح تجارية يتقاطع فيها منيف تقريبا مع طروحات لينين في كتاب الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية مع اختلاف في المآلات عنده إذ لا يفضي التنافس الإمبريالي إلى حرب بل إلى تقاسم مناطق النفوذ والأسواق والمسألة بسيطة يمكن اختزالها بأن فعليا لم تكن هناك سوق نفطية في العالم بل شركات إمبريالية تستخرج وتنقل وتكرر وتحدد السعر وتعطي مبلغا مقطوعا من الأرباح لحاكم المنطقة وقتذاك وعليه كما واصل الشهابي قراءته لم تكن الامتيازات عند منيف فقط الإطار القانوني الذي ينظم استغلال الشركات للبلدان المنتجة بل تهدف إلى إقامة أنماط من الحكم والعلاقات السياسية والاقتصادية لها طابع التبعية الكاملة لدول الشركات ما جعل البترول سببا في شقاء هذه البلدان وانتقاص حريتها حقبة تقاسم الأرباح وفي المرحلة الموالية والمحورية التي فحصها منيف كان تأميم البترول في إيران عام 1952 وإطاحة حكومة محمد مصدق عام 1953 اللحظة المحورية إذ لم تعد الامتيازات بشكلها القديم مناسبة في نظر العديد من الحكومات الوطنية ما استلزم البحث عن شكل جديد بينما استمرت شركات النفط في معظم الحالات في استغلالها ولم تلجأ لتقييم دقيق لمصالح الشعوب والدول المنتجة ما عجل بانفجار الإطار القانوني الذي كان ثابتا حتى تلك اللحظة بالطبع فشل تأميم النفط في إيران بعد الانقلاب الذي دبرته المخابرات الأميركية والبريطانية على مصدق لكن الأهم أن ما حدث أذن بتحول كبير حيث قبلت الشركات بمبدأ تقاسم الأرباح مناصفة مع الدول المنتجة وأصبح هذا معيارا نفطيا في الشرق الأوسط خلال العشرين سنة التالية بينما كانت الحكومات في حقبة الامتيازات تنتظر شيكا من الشركة النفطية كل ثلاثة أشهر وقال الشهابي إن منيف رأى أن الشركات الغربية هي التي دفعت هذا التحول إلى الأمام فهي لحاجتها الاستغلالية بعيدة المدى رأت أن تقاسم الأرباح قلل الحاصل المالي الضخم الذي كانت تستولي عليه في حقبة الامتيازات بيد أن التقاسم حل أفضل لدرء محاولات التأميم المتوقعة عام النفط العربي بعد انتشار حركات التحرر في العالم الثالث ومنها الوطن العربي وصولا إلى مطلع السبعينيات كان النفط المنتج عربيا يزيد على نصف ما ينتجه العالم وهنا تأتي اللحظة المحورية في الحقبة الثالثة حين فرضت حكومة معمر القذافي في ليبيا من جانب واحد شروطا جديدة للتسعير وبحلول 1972 كانت الجزائر وليبيا والعراق قد أممت صناعة النفط بل اتسعت التأميمات لتشمل دول الخليج واستعرض المحاضر افتتاحية مجلة النفط والتنمية التي كتبها منيف بعنوان تأميم النفط بداية عصر جديد معتبرا إياه يوما خاصا ومميزا للأمة العربية وفي هذا التحول خلقت السوق النفطية مع نهاية السبعينيات إذ بات النفط سلعة تجارية غير احتكارية يحصل عليها المستهلك باستمرار وبسعر عادل وعند منيف كما كتب في عام 1977 فإن التغيير الجذري يشير إلى ثالوث أوبيك التي تأسست عام 1960 وحرب أكتوبر والتأميم أثبت أن العلاقات النفطية دخلت حقبة جديدة ولطالما كان موضوع التبعية الشغل الشاغل لمنيف ومعه في ذلك الوقت نخبة من المحللين والمفكرين من بينهم المصري سمير أمين الذي كان يكتب في مجلة النفط والتنمية وهو أحد المشتغلين الكبار في نظرية التبعية ولأن النفط كان المصدر الأساسي للاستعمار والتدخل في أنظمة الحكم كان منيف ينظر من زاويته إلى أن الأمة العربية وحدة جغرافية واحدة بين منتجي النفط وغيرهم ولذا ينبغي تشجيع التكامل وحركة الأموال والبشر والتجارة التي كانت جميعها في مستوى منخفض وما زالت وربما أصبحت أسوأ الآن في استطراد للمحاضر ومع كل ما دافع عنه منيف وتبناه خلال عقدين من العمل خبيرا ومحللا في اقتصاد النفط لم يكن كما يوضح المحاضر يعيش أوهاما في ظل قوى مضادة على رأسها أميركا التي سعت للاحتواء الاقتصادي من خلال السيطرة على مصادر الثروة في البلاد المنتجة وربط اقتصادها بالاقتصاد الأميركي وإقامة علاقات تؤدي بالضرورة إلى التبعية وعرض الشهابي على الشاشة فقرة مما كتبه منيف نهاية السبعينيات تفيد بأن إسرائيل أداة أميركا لتأديب المنطقة وإخضاعها ولكنها ليست الأداة الوحيدة ومن هنا تظهر الحاجة إلى ضرورة خلق حالة من الانسجام بين مجموع هذه الأدوات ما يتطلب إقامة جسور بين إسرائيل وهذه الأنظمة لضمان مستقبل الأطراف الثلاثة معا أميركا وإسرائيل والأنظمة ولدى مغادرته العراق مع بدء الحرب العراقية الإيرانية أشار المحاضر إلى فترة تشاؤمية عند منيف الذي لطالما حذر من وصول التسليح مديات بعيدة مع انقسامات إقليمية تتسع وتبلغ ذروتها إلى صدام تسبب في هزيمة أي أمل للتعاون لإنشاء نظام اقتصادي عربي ترك منيف انخراطه المباشر في حقل النفط وتفرغ كليا لكتابة الرواية لأنه رفض أن تتحول مجلة النفط والتنمية إلى بروباغندا للعراق في حربه مع إيران غير أن هذا الاستخلاص الأولي واجه رأيا أوليا أيضا من الباحث العراقي حيدر سعيد إذ قال إن تولي منيف رئاسة تحرير المجلة كان إبان تحالف حزب البعث مع اليسار ضمن ما يعرف بـالجبهة الوطنية والتقدمية وخروجه من العراق قد يكون بقمع هذا التيار مع صعود صدام حسين في سلطة الحكم

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح