التلاعب بالمفردات ميدان آخر للحرب الإعلامية
لم تعد الحرب الإعلامية تقتصر على الأخبار والصور والروايات الكبرى، بل أصبحت تمتد إلى أدق تفاصيل اللغة المستخدمة، إذ تحمل المفردات المختارة شحنات معنوية قد توازي في تأثيرها عشرات التصريحات السياسية. ومن المهنية الإعلامية أن تُسمى الأشياء بمسمياتها الحقيقية، وأن يُطلق على كل جهة أو حركة أو تنظيم الاسم الذي ارتضته لنفسها، لا أن يُفرض عليها اسم اختاره خصومها لتشويه صورتها أو تحجيم شرعيتها. عندما تُخرق هذه القاعدة، يظهر انحياز الوسيلة الإعلامية بشكل لا لبس فيه، وتنكشف نواياها في توجيه الرأي العام وفق مواقف مسبقة.
وهذا أحد أوجه “حرب المفردات” التي تُخاض تحت السطح، لكنها تلعب دورًا رئيسيًا في توجيه التصورات وترسيخ الصور الذهنية.
على سبيل المثال، كانت قناة الجزيرة تطلق على تنظيم “داعش” الإرهابي اسم “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام”، واختصارًا “تنظيم الدولة”، مبررةً ذلك بأن المهنية تقتضي استخدام التسمية التي يعتمدها التنظيم لنفسه، رغم ما يحمله الاسم من إيحاءات تمنح التنظيم مسحة “شرعية إسلامية” في الوعي العام.
غير أن القناة ذاتها تصر على الإشارة إلى جماعة “أنصار الله” في اليمن باسم “الحوثيين”، مع أن هذا الاسم أُطلق عليهم من قبل خصومهم السياسيين والعسكريين، ما يكشف عن ازدواجية في الالتزام بالمهنية بحسب الموقف السياسي.
وهذه الظاهرة ليست محصورة بجانب واحد من الإعلام، ففي وسائل الإعلام الغربية تُستخدم مفردات متفاوتة لوصف حركات المقاومة أو التمرد تبعًا للمصالح السياسية؛ فالمقاومة التي تواجه الاحتلال الأمريكي في العراق وُصفت بالإرهاب، بينما اعتُبر المسلحون الذين قاتلوا النظام السوري ثوارًا، رغم أن الأغلب بينهم يحمل فكرًا متطرفًا لا يؤمن بالآخر، ونرى حاليًا حملات الإبادة بحق العلويين، ومع ذلك استمر توصيفهم بثوار حتى تتغير السياسة الأمريكية تجاههم، كما حدث سابقًا مع نظام صدام حسين خلال حربه مع إيران والكويت، إذ تغيرت المصطلحات والتوصيفات له بحسب تبدل الموقف السياسي.
وينطبق الأمر ذاته على حركة طالبان، فقد كانت توصف بالميليشيا المتطرفة عندما كانت في صراع مفتوح مع الغرب، ولكن بعد المفاوضات في الدوحة، اعتمد الإعلام الغربي تسميات
ارسال الخبر الى: