ثائر هلال اللون ليس خيارا بل شهادة على زمن لا يحتمل الحياد

31 مشاهدة
ثائر هلال تشكيلي سوري من الأجيال التي بدأت الرسم قبل أزيد من عقدين وتمكنت من تقديم لوحة جديدة ذات مواصفات عصرية غير منقطعة الصلة عن البيئة المحلية يتمتع بخصوصية وفرادة أسلوبية ورؤية فنية تعتمد على مواصلة التجريب بمنهج تجريدي متحرر يشتبك مع أسئلة الذات والخارج والعمل على مساحات لونية كبيرة غنية بالتفاصيل أين كنت عندما سقط النظام السوري وكيف استقبلت الحدث كنت في الإمارات أتابع مشهد الانهيار المتسارع لبنية الطغيان بعيون تفيض بالفرح لا بالدموع لحظة التحرر لم ينتظرها السوريون فقط بل كل من آمن بأن للكرامة ثمنا وللحرية موعدا لم يكن سقوط النظام مجرد خبر كان شريانا جديدا للحياة كان العالم يتغير أمام عيني وكانت سورية تكتب فصلها الأعظم بثمن باهظ من الدم والنور معا عشتها بكل نبضاتي واستقبلتها بفرح يليق بانتصار الكرامة على القمع إلى أي مدى تأثرت بانتقال سورية من حال إلى حال قد لا يقاس التأثر بالكلمات هو تحول داخلي يشبه ثورة على مستوى الذات أيضا كنت أراقب بلدي يتحرر من وهم القوة الجبرية وأعي كيف أن الفنان الحقيقي لا يقف متفرجا أمام هذا التحول سورية تحولت إلى مسرح ضخم للبطولة والمعاناة ومعها تأكدت رؤيتي للفن إذ لم يكن اللون مجرد خيار جمالي بل إيمان وشهادة حية على زمن لا يحتمل الحياد الفن مسؤولية فالصورة أداة تغيير وصوت حق هل ترى أن سقوط النظام يمكن أن يترك أثره على اللوحة والثقافة في سورية سوف يكون سقوط الطغيان بداية لتفجير طاقات جديدة ومستمرة لم تتحقق عقودا اللوحة السورية بعد الثورة لم تعد تبحث عن التجريد المعزول بل صارت مرآة مفتوحة على الأسئلة الكبرى الحرية العدالة الفقد الأمل كل ريشة كل مساحة لونية تحمل ثقل التجربة السورية مزيج من الألم والخلاص الثقافة اليوم تخرج من حطام الرقابة والخوف وتبني خطابها الجديد بشجاعة مذهلة والفن هو أول من يكتب هذا الخطاب بلغة العالم المتمدن اللوحة السورية بعد الثورة لم تعد تبحث عن التجريد المعزول بل صارت مرآة مفتوحة على الأسئلة الكبرى تخرجت من كلية الفنون في سورية ولكن معرضك الأول لم يكن في بلدك بل في الإمارات لماذا خرجت من سورية منذ بداية التسعينيات متهربا من الخدمة العسكرية كنت شابا صغيرا صاحب حلم كبير مندفعا للبحث والمغامرة وعندي تطلعات طموحة للتواصل مع بيئة ومناخات منفتحة على آفاق مختلفة وعن فضاء لأتنفس الحرية البيئة الفنية في سورية آنذاك كانت مرهونة بمزاج تقليدي مترهل محدود محكوم من أجهزة أمنية تتوجس من المشاريع الإبداعية ومحاولات الشباب في التعبير واستطعت خلال فترة أن أحقق لنفسي استقرارا نسبيا جيدا أقمت في إمارة الشارقة التي أحبها وانطلقت منها وهي لا تزال عاصمة النشاط الثقافي في الخليج عملت رساما صحافيا فترة كانت مهمة في حياتي المهنية إلى أن انتقلت إلى العمل في كلية الفنون الجميلة والتصميم في جامعة الشارقة منذ 2006 مدرسا مادة الرسم إلى جانب ذلك كنت قد أسست محترفي الخاص وانكفأت على العمل بصرامة وكونت أسرة جميلة كانت الأبواب تفتح أمامي ولا تزال للاتصال بأهم فعاليات عالم الفن وتمكنت من السفر إلى بلاد كثيرة تعلمت من خلالها ما لم أكن أحلم به وكنت قد أقمت معرضي الفردي الأول في أبوظبي في المجمع الثقافي حينذاك شعرت أنني أقدم شهادة ميلاد جديدة ليس لي فقط بل لكل فكرة حرة كنت أحملها منذ دراستي الأولى عرضت لاحقا في سورية هل كان معرضك الوحيد في غاليري أيام ولم تكرر التجربة في سورية كانت تجربتي الأولى بعد انقطاع طويل في معرض فردي في غاليري الأتاسي عام 2007 وكانت تجربة اختبارية ناجحة نسبيا إذ احتضن أساتذتي والأصدقاء والوسط التشكيلي السوري تجربتي التي لم تكن معروفة عندهم وفي 2008 انضممت إلى غاليري أيام ووجدت نفسي في موقع مسؤولية جديدة مع مجموعة من أبرز فناني سورية وكان معرضي الفردي الثاني في دمشق 2008 في غاليري أيام في دمشق بعدها أقمت معرضي الأول في بيروت أيضا في غاليري أيام وكان من أجمل معارضي فعلا للخصوصية العالية لبيروت الثقافة ثم دبي والقاهرة ولندن وهكذا لكن بعد أن انطلقت الثورة السورية العظيمة لم أعد إلى الشام حتى اليوم هل تحدثنا عن تجربتك مع غاليري أيام أين الإيجابي والسلبي غاليري أيام منصة احترافية مهمة والعلاقة كانت ولا تزال مهنية تشاركية فيها إيجابيات كثيرة خصوصا أنها رسخت قيما جديدة من حيث طبيعة العرض الاحترافية والفضاء المتحفي وكذلك الانتشار وبرنامج تنظيم عروض الفنانين وسلسلة الكتب الفنية والمطبوعات التي لم نشهد مثلها في العالم العربي وبطبيعة الحال هناك دائما هامش من التحفظ فالمعادلة بين السوق والحرية الإبداعية معقدة الفنان يحتاج إلى مساحة أكبر من مجرد العرض أو التسويق يحتاج إلى حوار ومخاطرة وإلى هامش واسع للتجريب حيث على الفنان أن يمسك بمسافة واضحة تحمي استقلاليته الإبداعية وهذا يحدث في الأدب والموسيقى والسينما والمسرح ولا بد من هذا الشريك لأن المبدع بحاجة ماسة إلى فريق عمل أو جهة تأخذ على عاتقها خطوة لتدفع بالعملية الإبداعية إلى النور وهي تختلف باختلاف مستوياتها هل تابعت نتاج زملائك السوريين خلال الثورة وما الفرق بين من بقوا ومن غادروا تابعت أعمال أغلب زملائي الذين بقوا في الداخل والذين خرجوا والذين هم أصلا خارج البلاد وكنت أقرأ فصول الثورة خصوصا التجارب التي وجدتها على درجة رفيعة من التعبير بعض الأعمال مذهلة وعظيمة وأرى أن هناك خصوصية واضحة لكل محاولة عايش الفنان في الداخل تجربة تعبيرية مختلفة القمع وخطر الاعتقال والموت والحصار والقصف ورسم على أنقاض المدن والأحلام أما من غادر فقد حمل الوطن شرارة مشتعلة بين ضلوعه لا أرى فارقا في جوهر الإبداع لدى من بقوا ومن هاجروا كانت الثورة دمغة وجودية علينا جميعا والمهم في الفن أن الفنان لم يخن ذاكرته ولم يتواطأ مع الجلاد كانت لوحات بعض الفنانين تنبض بالحياة والمقاومة والصمت الصاخب أحيانا أما الفنانون في الخارج فتمتعوا بهامش أوسع للتفكير وإعادة النظر وأنتجوا أعمالا فيها بعد تأملي عميق التجربتان مهمتان ولا يمكن اختزال إحداهما في الأخرى بل يشكل التنوع بينهما المشهد التشكيلي السوري الأوسع لكن هناك من يرى أن الحرية التي وجدها الفنانون في الخارج أثرت على المشهد التشكيلي في المحترف التشكيلي السوري الحديث والمعاصر معظم التجارب تأثرت بشكل أكيد بالتجارب الغربية وهذا طبيعي في الفكر الإنساني كما هي بقية العلوم تنتقل بوصفها خلاصة معرفية تنعكس في تطلعات البشر وسعيهم إلى حياة عادلة وآمنة تحولت الحرية إلى محرك داخلي هائل للإبداع عند الشريحة الأوسع لم يكن الخارج فسحة جغرافية فقط بل كان تجربة وجودية حررت الخطاب البصري من الأكاذيب القديمة والخنوع الإبداعي والزيف التعبيري الذي لا فائدة منه أصبحت بعض التجارب السورية المعاصرة أكثر وعيا بمنجزاتها وأكثر جرأة في استخدام أدوات جديدة للتعبير عن هويتها المتجددة نضجت التجربة السورية بشكل لافت لتتحدث مع العالم بلغة الفن من دون أن تفقد جذوتها مليئة بالحياة والحرارة والانفعال راكمت خلال العقود الثلاثة خبرات وكونت شخصية خاصة للوحتك تميزها عن غيرها كيف وصلت إلى أسلوبك وأدواتك التقنية الخاصة لم تتبع تجربتي مخططا هندسيا مسبقا بل تشكلت عبر سنوات من التأمل والتجريب والرفض والانقطاع لم تأت دفعة واحدة بل كانت مسيرة تراكمية وطريقا متعرجا فيه محطات استطعت خلالها أن أخط لنفسي أسلوبا وطريقة عمل شاق مبني على الاختلاف والتحدي فقد تأثر بأدوات متعددة التجارب الفنية التي شاهدتها التجارب التي كنت على صلة مباشرة بها القائمة على بحث بصري وفلسفي دائم في جوهر الأشياء ومعانيها وجدت في التجريد لغتي لتجاوز الظاهر تتيح لي النفاذ إلى أعماق الواقع لا عبر تمثيله بل بإعادة تأويله اللون والخط في أعمالي كانا أساسيين ينبضان ككائن حي يتحولان إلى طاقة صدامية الطبقات تكشف الذاكرة وتراكم التجربة بينما استخدمت المحو لا إلغاء بل كشفا عن المستتر والمقموع اشتغلت كثيرا على التضاد بين السطوح الحادة الخشنة وبين الشفافية الحساسة ليس بحثا عن تباين شكلي بل تجسيدا لصراع الذاكرة مع الحاضر والهشاشة مع القسوة والرمزي مع المادي هذه الخيارات كانت دائما انعكاسا لفلسفتي في جعل اللوحة مساحة استكشاف ومتعة ودهشة وصراع مفاهيمي لا مساحة للزينة نضجت التجربة السورية بشكل لافت لتتحدث مع العالم بلغة الفن من دون أن تفقد جذوتها مليئة بالحياة والحرارة والانفعال يبدو لي أن هذا المنهج الذي تتحدث عنه خضع لتجريب متواصل ما رأيك في مرحلة مهمة من مسيرتي خضت تجربة اختبارية أعتبرها ناجحة باستخدام مواد غير تقليدية بينها مواد مصنعة جاهزة وأجسام ثلاثية الأبعاد في أعمال اقتربت كثيرا من مفهوم التجهيز والنحت حققت تميزا واضحا من حيث الدلالات الرمزية وارتباطها بواقع مادي ومعنوي مباشر وغير مباشر أعتبر تلك التجربة علامة بارزة أيضا في مشروعي الفني رغم أنني لم أتمكن من الاستمرار بها لأسباب صحية ومع ذلك لا تزال هذه المنطقة الفنية تسكنني وأترقب الفرصة للعودة إليها لأنني أؤمن بأنها لم تقل بعد كل ما يمكن أن يقال وأنها تحمل إمكانات كبيرة للتوسع والنجاح مستقبلا معرضك إبحار عبر لا شيء هو في سياق التجريب أيضا لكنه يعكس إمعانا في التجريد إبحار عبر لا شيء محاولة مختلفة للخروج من المعنى المباشر والغوص في الفراغ بوصفه حالة وجودية نعم هو إمعان في التجريد لكنه تجريد غير صوري هو تجريد مأهول بالأسئلة بالذاكرة وبالرغبة في التحرر من النمط والشكل التقليدي والاستمرار في التجريب خطوة لتحول ما أو قد يكون مفترقا لمرحلة في تجربتي لأنه يطرح سؤالا لا عن ماذا نرسم بل عن لماذا نرسم وما الذي يمكن أن يقال بعد كل هذا الخراب كان هذا تتويجا لرحلة استكشاف الذات في مواجهة العدم كل عمل فيه كان بمثابة مخطط بسيط أو خريطة للبقاء للتمسك بالمعنى وسط فوضى الانهيار والتردي الكبير لم يكن معرضا عن الألم فقط بل عن القدرة العجيبة للإنسان على مقاومة المحو كل لوحة كانت تأكيدا أن الفن ليس ترفا بل ممارسة في مواجهة العدم ماذا ترسم الآن وهل تفكر بالعرض في دمشق ما أرسمه نوع من التأمل النفسي والترجمة البصرية للحيرة للرغبة في الاستمرار رغم كل شيء وهو ليس شهادة مباشرة أكيد أفكر بالعرض في دمشق وهذا هاجس دائم فدمشق نافذتي الأولى والأخيرة لكن سورية الجديدة التي لطالما حلمت بها لم تولد بعد لكنها تكبر في خيالي وإذا رسمت فسوف أرسم روح مدنها التي تحررت من الركام وأرواحا تعلمت الطيران رغم الشظايا أما دمشق فإنني أحلم بها وهي تعود مدينة مفتوحة للعالم حرة تنبض بالحياة والحب بالفن والثقافة لا بالخوف والدم سيكون لي هناك معرض ذات يوم معرض مستحق يحتفي بها حرة من الاستبداد أتمنى أن تكون كل العروض الفنية حوارا مفتوحا يلامس الناس وأن يعود النشاط الثقافي والمعرفي إلى سورية بشكله الحضاري المؤثر وأن تعود صالات العرض والمسارح ودور السينما إلى دورها الريادي في النهضة بعيدا عن الغنائية الماضوية أنت من مواليد ريف دمشق هل تحضر الطفولة والمكان الأول حين ترسم تحضر الطفولة جذرا روحيا لا ينفصل عني بالتأكيد ولهذا أثر عميق فالريف له خصوصياته ليس فقط من حيث الصور البصرية بل من حيث العلاقة مع الأرض مع التفاصيل الصغيرة مع الضوء المتبدل والعتمة والفراغ الطفولة هناك لم تكن رومانسية بل عميقة ووجودية هذا الريف لم يتركني بل يعود إلي في كل لوحة وإن بشكل رمزي الأثر الجغرافي للطفولة يبقى فينا كأننا نرسمه باستمرار دون أن نشعر وهي طفولة مثقلة اليوم بذاكرة غنية تحمل في طياتها الفقد والحلم معا أحاول أن أصنع من هذا توازنا بين الحنين والأمل هل تعتقد بخصوصية للوحة التشكيلية السورية في مرحلة ما بعد جيل الرواد الكبار الذين شكلوا علامات متميزة على مستوى سورية والعالم العربي نعم يمكن أن نقول ونتحدث عن خصوصية محلية الخصوصية اليوم مسألة نسبية حيث لم يعد الفنان مرتبطا بجغرافيا محددة أو بالأسلوب فقط الفنان المعاصر يعيش تحديا وجوديا ينعكس في فنه ويواجه تحديات جديدة مثل العولمة والانفتاح الشك الحرب الأسئلة الأخلاقية في الفن العلاقة بالهوية المتغيرة نحن لا نحمل الشعلة فقط بل نعيد مساءلتها العمل الفني أو اللوحة السورية اليوم ليست امتدادا بالمعنى الزمني فقط بل هي تفكيك وإعادة بناء هذا ما يمنحها خصوصيتها قدرتها على قول ما لا يقال على الوقوف في منتصف المسافة بين الانتماء والانفصال بطاقة ـ ولد ثائر هلال في بلدة الناصرية 1967على أطراف الصحراء في ريف دمشق ـ تخرج من كلية الفنون الجميلة بدمشق 1991 ـ انتقل إلى الإمارات مطلع التسعينيات وعمل في الصحافة مصمما ـ ثم انتقل للتدريس في كلية الفنون الجميلة في جامعة الشارقة ـ نال جائزة بينالي الشارقة 1997 وذهبية بينالي الرسم المعاصر في طهران 2005 ـ منذ عام 2000 يقيم معرضا سنويا أو يشارك في معارض ولقاءات دولية جماعية فعرض في الشارقة ودبي وأبوظبي ودمشق وبيروت ولندن والقاهرة وسيول والإسكندرية وطهران ودكا

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح