عن زيارة ترامب إلى الخليج والسيدة العجوز

69 مشاهدة
قليل منا في الوطن العربي من يعرف عن الإنتاج الأدبي السويسري ولكن واحدا من كتاب المسرحيات والقصصيين البارزين كان اسمه فريدريش دورمانت Frederich Dürremmente الذي كانت الزيارة واحدة من أهم مسرحياته السياسية الساخرة المعروفة وفي العام 1964 تحولت المسرحية إلى فيلم سينمائي من بطولة إنغريد بيرغمان وأنتوني كوين قصة الزيارة المسرحية تحكي عن سيرة عجوز ثرية تعود بعد غياب عقود عن قريتها من أجل أن تنتقم لنفسها من عشيق سابق لها حملت منه بطفلة ولكنه تآمر عليها بالاتفاق مع عمدة تلك القرية وبعض مساعديه وتحملت وزر حملها وفقدان سمعتها وغادرت القرية مطرودة ولما عادت طرحت مكافأة قدرها مليونا دولار لمن يقتل عشيقها السابق الذي بدأ يشعر أنه أذنب بحقها وأدرك أن أهل القرية قد خذلوه وتركوه وصاروا يريدون قتله ولما كاد يقتل وسط ميدان القرية من أهلها طلبت منهم أن يتوقفوا وتركت والد طفلتها ليعيش الحيرة والخيبة والمرارة التي عانت منها قبل عقود ومن ثم تترك القرية بعدما وزعت المال الموعود عليهم لو أن رحلة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي انتهت يوم الجمعة الماضي 16 05 2025 كانت لإسرائيل لانطبقت المسرحية نصا وحدثا كما كتبها المؤلف فترامب الذي قدم في فترة رئاسته الأولى لإسرائيل ما لم يقدمه لها أحد الاعتراف بالقدس عاصمة ودفع مشروع الاتفاقات الإبراهيمية وغيرهما لقلنا إن هذه القرارات قد قوبلت من قبل بنيامين نتنياهو وحكومته بالجحود والإنكار لترامب وذهبا ليتفاهما ويتناغما مع إدارة بايدن ولكانت زيارته شبيهة بزيارة السيدة العجوز إلى تلك القرية ولكنه لم يزر إسرائيل بل استثناها ما دفعها لتصعيد آلية القتل والتدمير في غزة والضفة الغربية وداخل سورية وحتى نضع زيارة الرئيس ترامب في إطارها الواقعي يجب أن نتذكر أن أربعين مليون دولار قدمت على شكل تبرعات لحملته الانتخابية الرئاسية السابقة من قبل شيلدون أدلسون الثري الأميركي اليهودي صاحب كازينوهات القمار قد دفعت ترامب لاتخاذ القرار التنفيذي بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس وكان من المتوقع أن التبرع الذي قدمته أرملة شيلدون أدلسون بمقدار 100 مليون دولار لحملته الانتخابية الأخيرة كان مشروطا باعتراف إدارة ترامب إن نجح في الانتخابات وقد نجح بالاعتراف بضم الضفة الغربية لإسرائيل ولو عدنا إلى الأرقام التي حصل عليها الرئيس ترامب للاقتصاد الأميركي من دول الخليج لرأينا أن المباشر منها والموقع عليه قد وصل إلى 600 مليار دولار من السعودية و200 مليار من دولة قطر و200 مليار من دولة الإمارات ويبلغ مجموع هذه الأرقام تريليون دولار ولكن السعودية التزمت برفع المبلغ الملتزم به في السنوات القادمة إلى تريليون دولار وكذلك التزمت الدول العربية بمشاريع استثمارية تقارب 1 4 تريليون دولار خلال السنوات العشر القادمة ولا أدري تماما ما هو المبلغ الذي التزمت به دولة قطر عدا الـ200 مليار ثمنا لـ150 طائرة مدنية من بوينغ وإذا قلنا إن الدول الثلاث ستشتري أسلحة بمقادير إضافية تقارب تريليون دولار فإن المبالغ التي التزمت بها أو يجرى العمل على تأطيرها ضمن اتفاقات وصفقات قد يصل إلى ثلاثة تريليونات دولار وأكثر خلال العقد القادم أو ربما ما يقارب 340 مليار دولار سنويا ولو نظرنا إلى صادرات الدول الثلاث من الوقود الأحفوري النفط الخام والغاز الطبيعي والفحم لرأينا أنه بأسعار وكميات العام 2023 قد بلغت حوالي 500 مليار دولار وبمعنى آخر بافتراض أن هذا المبلغ سيبقى فإن 68 منه ستخصص للاستثمارات الأميركية في السنوات العشر القادمة وهو رقم كبير بكل المقاييس ويعني أن دول الخليج الثلاث قد ارتبطت ارتباطا استراتيجيا كبيرا بالولايات المتحدة وبغض النظر عن الأبعاد السياسية للقرار فإن السؤال الاقتصادي الكبير هو هل سيساعد هذا الارتباط التكنولوجي للدول الثلاث بتحقيق الهدف الاستراتيجي الأساسي وهو تنويع اقتصاداتها ومشروعاتها التنافسية حتى تخرج من مرحلة الاعتماد على النفط الذي من المتوقع أن يفقد مركزه الاستراتيجي العام 2050 إذا فالرهان في هذه الدول الثلاث هو على تنويع الاقتصاد بأموال النفط حتى يستطيعوا الاستغناء عن الدخل من الخام الاسود وهذا يتطلب مقترحا كان يسميه اقتصاديو البنك الدولي والمختصون بالتنمية بنموذج الدفعة الكبيرة أو Big Push Approach الذي يقول إن إحداث النقلة الشاملة في الاقتصاد لها متطلبات غير قابلة للتجزئة وهذه المتطلبات الثلاث هي أولا تكامل البنى التحتية والخدمات المساندة للإنتاج وثانيها توفر الاموال وحسن إدارتها لتنويع العملية الاقتصادية وثالثها تدريب وتأهيل وتوفير القوى العاملة المطلوبة لإنجاز الأعمال أثناء عملية البناء وبعدها حين تبدأ الآلات في العمل بكامل جذوتها وطاقتها لم تكن زيارة ترامب التي لم تبلغ مدتها أكثر من ستة أيام كافية لتخطيط كل ما أنجز خلالها بل أصبح من الواضح أن الزيارة قد مهد لها بكثير من العمل على المشروعات ومؤتمرات الاستثمار والاتفاقات الخاصة بين الشركات ومذكرات التفاهم والاتفاقات الحكومية وحتى مراسم الاستقبال وأماكن الزيارة والمؤتمرات الصحافية والتغطية الإعلامية التي بدت كلها منظمة تنظيما وثيقا بدءا من أسماء المرافقين للرئيس ومرورا بالأماكن التي زارها مثل مسجد الشيخ زايد في أبوظبي والكنيس الإبراهيمي فيها هذا التنظيم الدقيق يسوقنا إلى اعتماد فرضية مفادها أن كل الخطوات والترتيبات التي نفذت بموجبها الزيارة وفعالياتها لم تكن صدفة سواء ما اشتملت عليه أو حتى ما لم تشتمل عليه من ناحية فإن زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الرياض وقبوله الرعاية الملكية السعودية لتكون وسيطة لدى البيت الأبيض والرئيس ترامب والتي أدت إلى إلغاء العقوبات عن سورية تعني أن سورية قد دخلت في علاقة متميزة مع دول الخليج لكي تقوم الأخيرة بمساندة عملية إعادة الإعمار في هذا البلد العربي الصميم ولأن الحكومة اللبنانية فشلت حتى الآن في جمع سلاح حزب الله فإنها لم تدع إلى الرياض ولربما تمنح سورية الآن كل الدعم لكي تحول دون وصول أي سلاح من إيران أو من غيرها عبر الأراضي السورية إلى جنوب لبنان والبقاع ولأن مؤتمر قمة خليجية كان سيعقد في الرياض قبيل انعقاد مؤتمر القمة العربية في بغداد فإن استثناء مصر والأردن من هذه القمة يضع البلدين أمام مواقف يجب أن تحسم الأول هو أن الأردن الذي اعيدت إليه المساعدات العسكرية والمالية الأميركية لدعم الخزينة بحاجة إلى أن يصوغ موقفه من الولايات المتحدة كي يبقي العلاقات الاستراتيجية معها ولكنه يجب أن يكون يقظا كل اليقظة من أن يقع تحت ضغوط اللوبي الصهيوني واصدقائه ليفرض على الأردن قبول مهاجرين إليه من الضفة الغربية وقطاع غزة وهذا يتطلب أن يحافظ الأردن على علاقات وثيقة مع الدول الأوروبية واليابان والسياسة الأردنية واعية لهذا الأمر أما بالنسبة لمصر فالأمر مختلف قليلا وفي رأيي أن على دول الخليج الانتباه من أن مصر دولة مهمة جدا ولا يجوز العبث بوضعها الداخلي لخلق فوضى قد تحيل المنطقة كلها إلى حالة عدم الاستقرار والتوازن التي يسعى نتنياهو ليبقيها فيها ولا يجب أن تنجر كثيرا في تضخيم مشكلة حماس في قطاع غزة بعد كل الدمار والقتل والتجويع الذي يعاني منه القطاع وإذا تركت مصر للفوضى فإن غزة ستبدو بالمقارنة قضية بسيطة زيارة الرئيس الأميركي إلى منطقة الخليج الأسبوع الماضي انتهت وحقق الرئيس ترامب المكاسب المادية التي أرادها ولكنها لم تعط له مجانا بل مقابل استثمارات ومشتريات كان معظمها سيتم حتى من دون تلك الزيارة ولذلك فإن الزيارة في نهاية الأمر يجب أن تعطي الجانب العربي شيئا يستحق أن يفرح به ومن أهم هذه الأمور كان اعتراف الولايات المتحدة بدولة فلسطين أو انهاء الحرب في غزة التي عانت الأمرين أثناء الزيارة أو حدا أدنى الوصول إلى وقف لإطلاق النار ولذلك فإن الأموال العربية المستثمرة في الولايات المتحدة ومعها يجب أن ينتج عنها قرار سياسي مهم يستحق أن نسميه مكسبا سياسيا يعطي الزيارة أبعادا غير مادية Non Transactional ولو عرضت نفس المبالغ على الصين لربما حصلت دول الخليج على أكثر بكثير من الولايات المتحدة إن الفائدة الأساسية هي الحصول على نتائج سياسية ملموسة تعوض القرارات الأميركية السيئة ضدنا عربا ومسلمين التي اتخذها الرئيس ترامب حين نقل السفارة إلى القدس وحين اعترف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل لقد أدت زيارة السيدة العجوز إلى قريتها إلى معاقبة الظالم الذي أضر بها ونريد من زيارة الرئيس الأميركي إلى الخليج أن تنهي حكومة نتنياهو وهي قادرة على ذلك

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح