المصادفة حين تصبح معجزة
60 مشاهدة
اكتشف بعض الأهالي في منطقة البحيرة في الريف المصري قبل أيام أن بقرتهم التي تبلغ خمسة أشهر تحمل جنينا يبلغ عمره تسعة أشهر حسب ما قاله لهم طبيب بيطري أحضروه للكشف على البقرة التي انتفخ بطنها بشكل غير معتاد معجزة هكذا اعتبر سكان المنطقة هذه الحالة سرعان ما تعمم الخبر وانتشر وكتبت عنه الصحافة المحلية وبدأت وفود البشر تتقاطر لرؤية هذه المعجزة ونيل مباركتها لكن مختصا رصينا قال إن هذا مجرد خلل هرموني نادر أدى إلى تورم أظهر الجنين كما لو أنه في شهره التاسع وهو ما لم يعجب صاحب البقرة الذي صرح إن الحقيقة سوف تظهر الأسبوع المقبل بعد إجراء عملية جراحية لتوليد البقرة ليست حادثة كهذه فريدة من نوعها لا في عالمنا العربي ولا في العالم عامة نتذكر نحن السوريين في عام 2006 حكاية تيس مدينة البوكمال الذي كان يدر حليبا بكميات كبيرة ما جعل أيضا وفود السوريين والعراقيين تتقاطر لتشرب من حليب التيس بوصف هذا الأمر من معجزات السماء فكيف لتيس أن يدر حليبا نقول تيسا يقولون احلبوه لكن الأمر أيضا لم يكن سوى خلل هرموني يعرفه العلم جيدا ويحدث أحيانا مع الذكور من البشر أما عن المعجزات الدينية المنتشرة في العالم فذلك يطول شرحه بدءا من المقامات التي تشفي الأمراض وتكشف الكاذبين مرورا بصور السيدة العذراء التي يقطر منها زيت أو نساء منحتهن السيدة العذراء قدرة الشفاء عبر جعل الزيت يقطر من أيديهن ماري قربي السورية التي ظهرت في منطقة باب توما تحت حماية المسؤولين السوريين في أول ثمانينيات القرن الماضي وليس انتهاء بظهورات السيدة حول العالم ومنح بركتها لأشخاص محددين أفلام سينمائية كثيرة عن حوادث من هذا النوع يقال إنها حقيقية طبعا من دون أن ننسى المعجزات الكبرى للأنبياء والتي غيرت وجه التاريخ البشري مرات عدة شق موسى البحر بعصاه وقيامة السيد المسيح وشفاؤه للمرضى والإسراء والمعراج للنبي محمد غير المعجزات التي يتناقلها أبناء الديانات الغنوصية والباطنية لأوليائهم حول العالم يحب البشر المعجزات ينتظرونها ويصدقونها يخترعونها ويتناقلونها جيلا وراء جيل ويحتفلون بتلك المليئة بالدلالات والرموز كرمزية استبدال الكبش بإسماعيل حين أراد النبي إبراهيم أن يقدمه أضحية للرب وهي من أقدم المعجزات في التاريخ البشري تضاف إلى معجزة سفينة نوح وأهل الكهف أو تلك الحوادث الساذجة كوجود اسم الله بلغة القرآن الكريم على حبة طماطم ومئات آلاف القصص الصغيرة والكبيرة التي تحدث يوميا ولها تفسيرات علمية محددة أو تدرج تحت قانون المصادفات لكن اللاوعي البشري يميل إلى تصنيفها معجزات لأن التصديق أنها معجزة يجعل العقل يسترخي مع مسلماته من دون أن ينشغل بالبحث وطرح الأسئلة التي قد تجره نحو عواقب اجتماعية أو نفسية يفضل الابتعاد عنها تماما أو يحولها عبر الزمن إلى تراث إنساني ممسوسة من الغيب واستفادت منه الديانات السماوية والأرضية حسب ثقافة أتباع كل ديانة ومنبتهم يرى المؤمنون بالمعجزات أنها تحدث بأمر إلهي يتم فيه شرخ القوانين الطبيعية التي اعتاد عليها البشر منذ تكوينهم تثبيتا لحضور الإله في يومياتهم لكن ثمة رابطا يجمع المؤمنين بالمعجزات في العالم غير رابط الإيمان بالله والغيب يتمثل في تردي أوضاعهم المعيشية وازدياد هزائمهم الشخصية والعامة ذلك أنه كلما تهاوى الوضع المعيشي وكثرت الهزائم وضاعت الأحلام وازداد الشعور بالعجز ازداد البشر تصديقا للخرافات واعتبروها معجزات إلهية يرسلها الله تعالى لإنقاذهم مما هم فيه تتحول مصادفات الطبيعة لديهم إلى إشارات عن الفرج القادم وإذا ما طال زمن وصول إشارة كهذه اخترعوا واحدة وبنوا حولها الحكايات لا شيء في قصة البقرة الحامل يمكنه أن يحسن من معيشة أصحابها حتى ينتظرون الحقيقة بفارغ الصبر بعد ولادتها لكن مجرد أنها وضعتهم قليلا تحت الأضواء هذا قد يكون تعويضا لهم عن التهميش الطويل الذي يعيشونه مثلهم مثل أهل قرية نائية في جنوب أميركا ظهرت غيمة في سمائهم على شكل السيدة العذراء ألفوا حولها قصصا لا تحصى جعلت قريتهم المجهولة في دائرة الضوء يريد البشري دائما أن يكون في نقطة الضوء في المركز حينما لا يتحقق له ذلك بناموس الحياة الطبيعي يميل إلى اختراع خرافة ثم يسمونها معجزة