طعم الفراق لربعي المدهون سيرة ذاتية عن نكبة فلسطين وتداعياتها
26 مشاهدة
فلسطين الواقعية والأسطورية المجبولة بالدم والغربة تحتل قلب المشهد وخلفيته في النص المؤثر طعم الفراق ثلاثة أجيال فلسطينية في الذاكرة للكاتب الفلسطيني ربعي المدهون والذي صدر مؤخرا في طبعة جديدة عن دار كيان يعد هذا العمل وثيقة للأجيال القادمة لا سيما في ظل حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في عزة خصوصا وفلسطين كلها بشكل عام حيث كتبت برؤية فنية تدمج بين عدة أنواع أدبية يتضافر فيها القص والسيرة الذاتية والرواية في متن سردي واحد يتشعب السرد ليشمل أزمنة وحكايات وشخصيات عبر ذاكرة الوجع الممتدة منذ نكبة عام 1948 مرورا بذكريات الطفولة البريئة وحلم العودة إلى مجدل عسقلان وصولا إلى بلدان اللجوء التي عاش فيها الكاتب وتنقل على أراضيها منفيا تارة ومقاتلا تارة أخرى باب النكبة يعيد المدهون بناء الذاكرة الفلسطينية كسردية مضادة لرواية المحتل بدءا من أحداث النكبة ليس كحدث تاريخي مجرد بل كتجربة مصيرية مأساوية حفرت جراحا عميقة في حياة أجيال من الفلسطينيين يقول أخذت أجراس النكبة تدق الأبواب لكنها لم تصل إلى أبواب المجدل أو القرى الجنوبية إلا حين بدأت بريطانيا تقليص وجودها العسكري والمدني في البلاد وصلت أولى دقات النكبة باب بيتنا منذرة بعواصف لم يعرفها مناخ البلاد بناء الذاكرة الفلسطينية كسردية مضادة لرواية المحتل ينكأ الفصل الثاني باب النكبة جراح ذكريات تلك المرحلة بما في ذلك وصول الجيوش العربية التي عرفت بـجيوش الإنقاذ ثم الهزيمة الساحقة بعد عدة أشهر يبني الكاتب سرده على تقطيع زمني ينتقل فيه بسلاسة عبر تيار الوعي بين أحداث تبدو ظاهريا غير مترابطة إلا أنها تتصل بخيط الذاكرة المتين يحكي عن الضابط الذي عذبه في دمشق ثم ينتقل إلى ذكرياته مع الطبيبة الروسية ناديجدا التي عالجته ونصحته بالإقلاع عن التدخين ثم تمر الأيام وتتغير الحيوات فيختار من الوقائع ما يستحق السرد يستمع إلى ذكريات أمه عن تلك الأيام ويتحدث عن عمله في أسبوعية الحرية في بيروت معترفا بحسرة أن كل المهام العاجلة والمصيرية التي ظننت أن علي القيام بها لتحرير فلسطين اكتشفت لاحقا أنها ذهبت أدراج الرياح يتخذ السرد أسلوب المراوحة بين الماضي والحاضر وهي تقنية ذكية تخفف من قتامة الحزن المستمر في نص محوره نكبة فلسطين وتداعياتها عبر ثلاثة أجيال عايش الأول النكبة مباشرة بينما جاء الثاني ليوثق ذاكرة الوجع حكايات بريئة يضم هذا الفصل صورا من ذاكرة الطفولة مع ابنة العم أديبة والأخت رسمية التي فقدها الكاتب وهي رضيعة يتدرج عبر المشاهد الحياتية لعائلته ليحكي عن اللجوء والمخيمات ووكالة أونروا وتحول حياة الفلسطيني الذي وجد نفسه خلال أشهر خارج أرضه متعلقا بأمل عودة ظنها قريبة ثم تبين له كم كان واهما يقدم المدهون تفاصيل دقيقة عن مذبحة خانيونس والحياة في غزة بعد النكبة ثم دراسته في قسم التاريخ بجامعة الإسكندرية يتوقف عند عام 1967 ويتداخل السرد بين الخاص والعام بين قصة حبه المجهض وترحيله عن مصر كما يوثق لحرب أيلول 1970 المسماة بـأيلول الأسود يروي المدهون نصه بأسلوب مكثف ومباشر ويقسمه إلى فصول قصيرة تعتمد على تقنيات بصرية تنقل المشهد بجمل سريعة ومعبرة يستخدم اللهجة الفلسطينية المحكية في الحوارات كأنه يروي الأحداث في حوار مباشر مع قارئه وقد تمكن الكاتب من تقديم ذاكرة جمعية تحكي عن المدن الضائعة إلى جانب المدن العربية التي خلفت خيبة وألما كتب بجرأة عن تداعيات النكبة والشتات بلغة تلتقط تناقضات الزمن وتحولاته الدموية وتطرح أسئلة مسكوتا عنها حول فكرة الخلاص بالنسبة للفلسطيني اللاجئ المتشظي بين المنفى والحنين والتعلق بالأرض رغم تشتت الجغرافيا لذا لا يقتصر هذا العمل على كونه سيرة ذاتية بل يتعداه ليكون بانوراما تعكس تجارب أجيال تشاركت المشاعر ذاتها الاغتراب والانكسار والقدرة على إيجاد بصيص أمل وسط الخراب كل ذلك عبر توثيق المفارقة الإنسانية بين الهزيمة والصمود وبين ذكريات الماضي الدامية والحاضر الهش الذي يبنى على أنقاضها روائية وناقدة لبنانية مصرية