هاني زعرب رسام غزة يستعين بـ إكسير الذاكرة

٣٧ مشاهدة
في لحظة تتوجه فيها أنظار العالم إلى رفح حيث تسوق ماكينة إعلام الاحتلال الصهيوني أن اجتياح المدينة التي تحتضن حوالي مليون وثلاثمئة ألف نازح من قطاع غزة أصبح وشيكا يراكم هاني زعرب عبوره في المنفى الذي يشكل برزخا بين ماض لا يكل من استعادته وبين حاضر تغدو فيه الرؤية أوسع والمنظور أكثر تعددا وتحفيزا على التجريب يتوهم العدو أن انتصاره يتحقق مع اجتياح سيفضي إلى مجزرة كبرى مرتقبة يتساءل الغزيون عشيتها إلى أين يذهبون بين خيارين أحلاهما مر الإبادة أو التهجير القسري فيأتي اقتراح الفنان الذي ولد في مخيم رفح عام 1976 وعاش فيه طفولته في تثبيته سردية تاريخية يندغم فيها الشخصي والعام حياة الفرد ومصير الجماعة ضمن مواجهة مفتوحة ضد المحو والتلاعب تحضر هذه الخلفية عند دخول الزائر إلى معرض زعرب الذي افتتح مساء الأحد الماضي في المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة بعمان ويتواصل حتى الثاني عشر من الشهر المقبل بالتعاون مع غاليري ARTZOTIC الرقمي ليس عبثا أن يختار الفنان إكسير الذاكرة عنوانا لمعرضه إذ يعني الإكسير في المعجم تلك المادة المركبة التي تحيل إلى مختبر أنشأه زعرب وطوره خلال نحو عقدين باستخدامه الزفت والزجاج ومواد مختلطة ومثل الزفت علامة فارقة في تجربته متعاملا مع مادة ثقيلة وكثيفة ولاصقة كما الذكريات التي لا تزول مهما تشطى الإنسان بفعلها وتأثر مختبر أنشأه وطوره خلال عقدين باستخدام مادة الزفت وسنجد في المعجم معنى ثانيا يدل على ذلك الشراب الذي سعى الكيميائيون القدامى إلى تصنيعه أملا بإطالة العمر حيث يسير زعرب على هديهم حفرا في تلك الذكريات التي لا يريد التفريط بها ويطيل التأمل فيها تدفعه إلى مزيد من الصمود والتمسك لتكون نقطة مرجعية للهوية والتجذر في المكان ذاكرة تتكون من طبقات شكلها الحدث الذي لم يمر في حياته سهلا ممتزجا بالأحداث الني صاغت تاريخ الشعب الفلسطيني خلال قرن مضى حيث خرج من رفح إلى نابلس فدرس الفنون الجميلة في جامعة النجاح ثم انتقل بعد ذلك إلى رام الله التي أقام بها منذ نهاية التسعينيات حتى عام 2006 في فترة شهدت انتفاضة الأقصى التي عبرت عن احتلال فرض هيمنته وعدم اعترافه بوجود الفلسطيني الذي اختار كما في كل مرة المقاومة زعرب الذي يقيم اليوم في باريس يقدم أعمالا متنوعة في مضامينها وطروحاتها حيث ينفذ مفارقة بسيطة وحادة في عمل نفذه عام 2018 ويتخذ شكل علبتي سجائر يكتب عليهما بالإنكليزية Occupation kills وZeft kills تباعا وتعلو الكتابات مساحة من الزفت الذي طوعه فوق الكانفاس بما يقارب خطوط وتصدعات الزمن الذي يمارس فعله الدائم وأثبتت أن الاحتلال لا يختزل إلا بفكرة القتل يذهب في لعبة الشكل أبعد من ذلك في عمل اطبع أي اسم 2013 ضمن سلسلة حب بجودة منخفضة والذي يتضمن ثلاثة قلوب بأوردتها وشرايينها وتفاصيلها وكأنها منزوعة من صدورها لتأخذ حضورها في الواقع الذي نعيشه حيث تتجاور القلوب وكأنها خلف قضبان لا تؤطر كامل اللوحة إذ تبدو الخلفية وراءها تشبه تصويرات يعتمدها زعرب في أعمال أخرى للإشارة إلى مساحات التذكر التي يغوص بها المرء ويظهر أسفل القلب في اليسار مستطيل كتب في داخله عنوان اللوحة بالإنكليزية Type any name استعارات من العالم الرقمي تعمق المفارقات التي يحياها الإنسان في الواقع حيث يمكن أن يذكر القلب باسم يلح على بال أي متلق في تجريد متعمد لاستذكار حبيب أو قريب بكل ما تفرضه تجربة كهذه من مشاعر مختلطة يمكن أن يسترجعها المرء حين يقوم بفعل بسيط لكنه يحمل دلالات مركبة لا تتوقف المغامرة عند هذا الحد في الأعمال المختارة لفترة زمنية تعود أقدمها إلى عام 2011 في عمل بعنوان درس في الطيران رقم 8 الذي يكثف تجربة الفنان حين حاول الرد على سؤال ابنه قدسي وهو يودعه في باريس مع زوجته لماذا لا تأتي معنا يا أبي إذ لم يستطع أن يخبره بأنه لا يمكنه الذهاب معهما إلى القدس لأنه يحمل بطاقة هوية تمنح لأهل غزة وتحرمهم من زيارة بقية وطنهم درس في تخيل الوطن يمثله العمل الذي رسم في كادره طفلا يجلس على كرسي وفي الأعلى طائرة تذرع زعرب لطفله بأنه يخاف ركوبها كإجابة يتهرب بها من الواقع لكنها توحي بخوف أكبر ربما حاول أن يتحرر منه في سلسلة درس في الطيران مازجا بين أحلام قدسي وحنين زعرب وبين عالم المنفى رحلة عودة متخيلة بوطن يحتضن الطفل وأباه عن هذه الرحلة التي غطت تجربته بين عامي 2002 و2012 كتب الفنان والناقد والمؤرخ الفلسطيني كمال بلاطه 1942 2019 في كتابه بين المخارج لوحات هاني زعرب وأضاء عليها في سياق المرحلة الزمنية التي تعكس حضور الذاكرة الجمعية في الحياة اليومية للفلسطيني وما يسكنه من اغتراب وصدمة وحنين ممارسة موجعة يتشارك فيها الفنان مع المتلقي في حديث مع الفنان أجري عام 2021 قدم اعترافا حول عمل بطول مترين وعرض مترين هو الوحيد في حياته الذي بعد أن عرضه في 2007 رسم فوقه وكان قد وضعه بلاطه غلافا لكتابه الفن الفلسطيني من 1850 إلى حاضرنا الذي صدر بالإنكليزية سنة 2009 لأنه رأى فيه المسيح وأحب فكرة أن يكون المسيح من غزة معلقا حينها أن ما يحدث فيها ستبنى عليه أشياء أكثر مما نتخيل ويضيف أنه بعد أن شاهد العمل في قاعة العرض أعدمه عمليا بعد أشهر عدة لكنه لم يخبر بلاطه عن الأمر بعد صدور الكتاب وفيه تفاصيله التي رسمها بأقلام الباستيل لأشخاص صغار الحجم يدورون حول شخص ذي شارب كبير وعينين غاضبتين والمثلث الذي كان يرسمه طفلا مع أقرانه على الأرض وهم يلعبون لعبة القلول أو البنانير اعتراف يعكس حساسية الفنان تجاه عمله الذي لم يرض عنه فاشتغل فوقه لكن أثره لم يغب وكذلك ندمه حول ما فعل بالنظر إلى الجرأة بحسب وصفه للأسلوب الذي قدم به العمل حساسية وندم ليسا عابرين أو منقطعين عن زمن رديء ومليء بالخيبات والإنكسارات ولا سبيل إلا لمقاومته من خلال التذكر ممارسة قاسية وموجعة ومتعبة يتشارك فيها زعرب مع المتلقي بين تشخيص بعض ما اختبره من هشاشة في عملية استرجاع أبدية وبين تجريد لأفكار تنبع من رحلة بحث معرفية وجمالية لتثبيت قوة الذاكرة كمرجع للهوية والصمود

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح