منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى اليوم لم تتوقف فنون الوسائط الجديدة في العالم العربي عن التأرجح بين التجريب والدهشة وبين الانخراط الحذر في التقنية كمحرك للإبداع والتعبير هذه العلاقة المتشابكة بين الفنان العربي والآلة تعيد قراءتها بانوراما فنية واسعة يستعرضها معرض مكننة أركيولوجيا فنون الوسائط الجديدة في العالم العربي الذي يستضيفه مركز الدرعية لفنون المستقبل في الرياض ويتواصل حتى التاسع عشر من يوليو تموز المقبل حوار مبكر مع الآلة يضم المعرض أكثر من أربعين فنانا وفنانة من مختلف أنحاء العالم العربي ويبحث في كيفية تفاعلهم مع الوسائط الرقمية من الفيديو والصوت والضوء إلى الأكواد الواقع المعزز والذكاء الاصطناعي لا يقدم مكننة الفن الرقمي بوصفه حداثة مستوردة بل يسلط الضوء على تاريخ غير مكتوب لانخراط الفنانين العرب في التكنولوجيا منذ استخدام اللبنانية نادية صيقلي للألياف الضوئية في الستينيات إلى تجارب سامية حلبي في برمجة لوحات رقمية خاصة بها خلال الثمانينيات ينتقل المعرض عبر محطات متفرقة من العالم العربي من بيروت إلى بغداد ومن أبها إلى تونس جامعا تجارب متعددة في بيئة هجينة تتلاشى فيها الحدود بين الفن والتكنولوجيا أعمال تركب الواقع وتعيد تفكيكه عبر ألعاب الفيديو الصوت الضوء والمجسمات لتطرح سؤالا حول العلاقة الجديدة بين الفنان والمتلقي في حديث لـالعربي الجديد يقول مدير مركز الدرعية لفنون المستقبل الفنان والأكاديمي المصري هيثم نوار إن الاختيار لم يكن جغرافيا بل وسائطيا مع تتبع زمني لكيفية استخدام الفنانين لهذه الوسائط منذ بداياتها ويضيف رغم التنوع في الأفكار والأساليب إلا أن هناك خيطا ناظما يوحد هذه التجارب وهو سعيها لفهم الذات والواقع في ظل تسارع التكنولوجيا وتغير معاني الحدود والمفاهيم الفن كسلاح نقدي لا يغفل مكننة الأبعاد السياسية والاجتماعية والفلسفية للوسائط بل يتقصى أثر التكنولوجيا على مفاهيم مثل الهوية والسلطة والرقابة والملكية يظهر ذلك جليا في أعمال مثل مشروع وليد رعد الذي يعيد تخيل الحرب اللبنانية عبر سرديات متخيلة وعمل منى حاطوم الذي يحول الضوء والطاولة إلى أدوات تفكيك للعلاقات الجيوسياسية أما أحمد ماطر فيحول البلوتوث إلى أداة توثيق لصوت العمال في مكة بينما يقدم أحمد الشاعر بيئات افتراضية نابضة بالحركة والضوء أشبه بكائنات هجينة تطرح أسئلة عن مآلات العالم الرقمي في ثنائية المادي واللامادي يقدم المعرض أعمالا تتفاعل مباشرة مع الآلة مثل روبوت الفحم الذي يبتكره مهند شونو أو الحزام الناقل الذي تطوره إميلي جاسر ليجسد رتابة الحياة في فضاء ميكانيكي معقد ولم تغب التكنولوجيا المعاصرة مثل الـNFTs عن المعرض بل حظيت بموقعها كوسيط جديد لإعادة التفكير في مفاهيم الملكية والتعبير الحر والمشاركة المفتوحة الآلة كمرآة عربية يكرس مكننة رؤية نقدية ومعرفية لفن الوسائط ويؤكد أن الفنان العربي لم يكن متلقيا سلبيا لتكنولوجيا الفن بل شريكا فاعلا أعاد توظيف الآلة في قراءة الذات والواقع تجربة فنية تنطلق من الذاكرة وتتقاطع مع التكنولوجيا لتشكل مشهدا جديدا حيث تتحول الماكينة من أداة إلى مرآة للزمن وساحة للصراع والتأمل والإبداع بهذا المعرض لا يعود الفن الرقمي طارئا على السياق العربي بل يصبح أرشيفا مستقبليا يعيد كتابة تاريخ التفاعل العربي مع التكنولوجيا من بوابة الفن