عزيز العظمة ظعن في جغرافيا متشظية و أبطال

٦١ مشاهدة
مثلت خمسة عقود ونيف من اشتغال المفكر والأكاديمي السوري عزيز العظمة 1947 جزءا حيويا من مدونة الفلسفة العربية المعاصرة والدراسات التاريخية وبالخصوص التراث والعلمانية والقومية وفي كتابته الموسوعية في حقول مختلفة ومتداخلة بنيويا كان العظمة يثبت جدارته لمن يتفق أو يختلف معه لسبب أول هو التزامه الصارم بالمعرفة وإنتاج المعرفة متخففا من ضغط القوالب الجاهزة قدر وسعه مثلما قد يراه آخرون إدارة ظهر للحظة الساخنة وكانت محاضرته في معهد الدوحة للدراسات العليا مساء الأحد الماضي بعنوان مسيرة فكرية في السياسة والفلسفة والتاريخ وقدمتها الباحثة إليزابيث سوزان كساب رئيسة برنامج الفلسفة بكلية العلوم الاجتماعية والإنسانية افتتاحية لسنة مثرية تستقرئ سير ضيوف هذه المحاضرات في النواحي المهنية والفكرية والذاتية والذاتية تكتسي قدرا من الأهمية لجهة التفاتها نحو تجربة وهي من لحم ودم وقفت خلف أفكارها المجردة على جسر من التعب إضافة إلى أنها تكشف هوامش وخلفيات تجعل للنص تاريخا شخصيا ضمن علاقته بالحيز العام ومجالات الاصطدام الناعم والخشن بعد آخر والتعب الناجم عن جهد مثابر في الإحاطة الأفقية والحفر العمودي يضفي بعدا آخر على طابع الفهم وفق ما يعبر العظمة فهو مثلا يتابع تفاصيل السياسة اليومية والتفكر فيها لكنها متابعة مع شيء من البعد أي من موقع استشرافي ومحاولة الفهم استشرف السياسة من موقع فكري ولم ينخرط في ممارستها قبل أن يتفادى السياسة في السنوات الأخيرة ويقلع عن الكتابة في الصحافة كان في السنوات الموالية لعام 2011 يشتبك سياسيا بطريقته التي تقوم على الفهم والكتابة والتوصيف لكن محاولات جلبه إلى سياق معارض سياسي سوري لم تؤد إلى انخراطه المباشر لأسباب يقول إنها تعود إلى طبائع ومواصفات لا تتوافر لديه ومنها الصبر والحال أنها أيضا لم تتوافر فيمن ترأسوا الكيانات المعارضة وفشلوا أما هو فبحسب ما يشرح واع لحدود إمكانياتي لنأخذ كتابه سورية والصعود الأصولي عن الأصولية والطائفية والثقافة عام 2015 الذي تابع من كثب صعود داعش وأعماله الخارجية وديناميته الداخلية باستخدام بعض المفاهيم الأنثروبولوجية وعلم النفس الجماعي هو يرى في هذا المقام أن مساهمة الفهم عنصر أساسي في العمل إن كان لها جدوى فعلية جغرافيا متشظية مسيرته الذاتية لم يبدأ بها على جاري القول من الطفولة إلى بلوغه عامه السابع والسبعين لدى إلقائه المحاضرة بل من خلاصة مكثفة تفيد بأنه عاش في جغرافيات وعلاقات اجتماعية وصداقات متشظية كأنها حياة ظعن وهو يستخدم بشكل واع كما يصرح كلمة الظعن البدوية التي تعني الرحيل أو السفر من الديار تعود ضيفنا على الكتابة تحت الضجيج العارم في العقود الثلاثة التي تلت نصف القرن العشرين وهي التي تعرف بالحرب الباردة حتى نهايتها إن جاز التعبير عام 1989 أو انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 وعليه ينتمي العظمة إلى فئة المخضرمين كما قالت العرب فيمن يعايشون عهدين مفصليين ولحظة الانقطاع التي ينظر إليها مع انتهاء الحرب الباردة توحي عنده بغربة عن هذا الماضي قائلا إن ثمة قدرا من التناسي وقدرا من سوء التقدير بعد الحرب الباردة عاين العظمة أن من نتائج نهايتها ضمور القومية والاشتراكية وزوال مفهوم التنمية والاستعاضة عنه بمفهوم الترشيد في إنفاق الدولة وسياساتها وكذا ضمور أي فهم للتنمية الاجتماعية باعتبارها عملية تحويل للعلاقات المجتمعية والمرأة والرجل والأسرة وشبه انزياح كلي بشأن التخلف والفوات حتى صرنا في وضع انقلب فيه التخلف من ظاهرة تاريخية يجب التعامل معها بسياسات معينة الى فضيلة وعفة حضارية انفتاح على الاحتمالات أخبرنا العظمة أنه تقاعد من السلك الأكاديمي منذ ثلاث سنوات حين كان في الرابعة والسبعين من عمره وكانت المساحة الجغرافية التي درس فيها تلاميذه واسعة من أوروبا وأميركا والوطن العربي وما زال على قناعته بأن المسار بداية وطريق ونقطة وصول ألا وهو الحاضر من دون أن تكون هي نقطة النهاية بل موقع انفتاح على احتمالات مناطها محبة الحياة وفضول المعرفة الذي لا يراه ينضب في فهمه للعروبة تأثر بقسطنطين زريق لا أفكار البعث مما يأتي في سيرته العلمية والتأليفية إسهامات عريضة من بينها ابن خلدون وتاريخيته 1981 والفكر العربي والمجتمعات الإسلامية 1986 وابن خلدون في البحث الأكاديمي الحديث 1990 والعلمانية من منظور مختلف 1992 وظهور الإسلام في أواخر العصور القديمة الله وشعبه 2014 وأزمنة التاريخ مباحث في كتابة التاريخ الإسلامي 2020 وقد يفيدنا الانتباه إلى أن أول كتاب صدر له في كانون الأول يناير عام 1969 اليسار الصهيوني من بدايته حتى إعلان دولة إسرائيل وكان ابن 22 عاما يبشر بهذا النوع من الكتابة القادمة في المقدمة كتب أنيس صايغ 1931 2009 المدير العام لـمركز الأبحاث الفلسطيني أن العظمة حرص على أن يتبع منهجا علميا خاليا من الأفكار المسبقة قدر المستطاع أربعة أبطال بعد كل هذا المسار من اليفاعة والشباب والتدريب المدرسي الأولي في الجامعة والانتقال الى أن أصبح جامعيا محترفا ومثقفا في المجال العام العربي والعالمي ثم في الفترة الأخيرة إلى باحث أكاديمي اختار العظمة أربعة أبطال الأول قال إنه الجاحظ لبصيرته الثاقبة والثاني ابن خلدون لموقعه الاستشرافي من تاريخه الذاتي والجماعي والثالث توماس هوبز لمقدرته على تحييد العاطفة والتفكير بطريقة شبه رياضية في الشؤون السياسية والرابع ديفيد هيوم لسبب مشابه مع براعة أكبر في لي الكلام على حد قوله هؤلاء أبطاله في الفكر والفلسفة والتاريخ والعلوم بيد أن لديه بطلا سياسيا هو مصطفى كمال أتاتورك الذي قال إنه يحتفظ بصورة له في مكتبه وبالطبع لن تجد أحدا يجادل في اختيار قوائم الأبطال في الأدب والفن والعلوم لكن صورة أتاتورك بطلا شخصيا لا تبدو سلسة وتحتاج أقله إلى الاستفهام والجواب عند العظمة واضح فأتاتورك قائد وطني لأنه خلق أمة من دمار وكرر غير مرة أن التاريخ ليس ملاكا والحال أن أتاتورك لم يكن كذلك ولكنه كان قائدا فاعلا صنع جماعة سياسية ودولة مؤسسات ما زالت فاعلة حتى إن قائدا كبيرا بحجم أردوغان ربما تمكن من إخضاعها بأشكال سياسية لكن لم يكن قادرا على تفكيكها كما واصل دمشقية بالسليقة في النشأة الأولى عاش وسط عائلة سيطر عليها الجد الذي كان منخرطا في السياسة منذ الحرب العالمية الأولى بيت سياسي ذو جو عروبي وأسرة عربية دمشقية بالسليقة مع أن الأصول الإثنية تركية وهي ليست بحاجة إلى جلبة إعلان هويتها في طفولته المبكرة كانت الثورة الناصرية في مصر والثورة الجزائرية ومن الطبيعي أن يتشبع بهما ليصبحا جزءا من تكوينه الفكري ترافق هذا المناخ مع دراسته في مدارس أجنبية ثم انتقاله الى مدرسة برمانا الداخلية في لبنان ذات اللسان الإنكليزي وإذا طالعنا تاريخ إصداره أول كتاب في الثانية والعشرين من عمره سنصدق بالفعل أن القراءة في مراهقته لم تكن هواية بل انكباب أساسي تجاوز كثيرا ما كان مطلوبا من تلميذ مدرسة جهد موسوعي شمل حقولا فكرية من التراث إلى الحداثة قال إنه وقتذاك قرأ المسرح اليوناني ثم انتقل إلى روايات القرن التاسع عشر وبالخصوص منها الروسية والفرنسية ولنأخذ هذه النقلة التي ستخرج منها خلاصة طريفة إن كان ثمة متسع للطرافة ففي سنوات المراهقة أصيب عزيز العظمة كمعظم المراهقين بالضجر وهنا قال تلقفت الضجر كحالة وجودية كالكثيرين وأحسست بمشاعر إحباط وغربة وضيق لا مبرر لها لكنها كانت ترضيني الآن بعد كل هذه العقود يقول ما زلت أعتقد جازما أن الوجودية فلسفة لمرحلة المراهقة وأن هناك نوعا من التعاطف بين ضرب معين من القومية العربية التي نسميها القومية البعثية وبين الفلسفات الوجودية ويرى أن أحد التمثيلات على ذلك رواية جيل القدر لمطاع صفدي عام 1961 وهي رواية قومية ووجودية إلى اليسار لا يخلو أي منعطف عمري عنده من الإقرار بفضل أو بمفتاح قد يكون قدريا أو محفزا إلى ترك معترك ودخول معترك آخر فقبل دخوله الجامعة استهوته رواية الغثيان الشهيرة لجان بول سارتر وأسرته جملة أنا أكرههم والإشارة إلى البرجوازية فـقررت أن أكره البرجوازية وأن أكره وسطي الاجتماعي وكانت هذه نقطة الانطلاق إلى اليسار السياسي هذا اليسار في عقدي الستينيات والسبعينيات كان متصاديا مع تكثيف فكري واجتماعي وثقافي لهاجس التخلف والفوات الذي كان ساكنا في الفكر النهضوي العربي لمدة قرن الحرب وفتحت هزيمة 1967 الباب أمام صياغات أكثر حدة أما بيروت فكانت تعج بأجواء تسمح بقدر كبير من التثقيف الفني والأدبي والسينمائي في الجانب الثقافي أشار إلى علاقته بالشاعرين توفيق صايغ وخليل حاوي واتصاله الاجتماعي بالوسط الطليعي الأدبي النسوي ممثلا في ليلى بعلبكي وغادة السمان وقرأ في هذا السياق ما كان يجب أن يقرأ مثل سيمون دي بوفوار والأدب النسوي الأميركي المبكر في السبعينيات وفي النشاط السياسي خلاصة مفادها من لم يكن يساريا في ذلك الوقت لم يكن مثقفا في المساحة العربية التي وسمتها نزعة التحرر الوطني والاشتراكية وعليه قال إن النشاط دار بشكل رئيسي حول القضية الفلسطينة وحرب فيتنام ورافق ذلك توسع بالغ في القراءات حول الماركسية وتاريخ الثورة الروسية ثم الاقتصاد السياسي والتنمية ومن ذلك كتابات سمير أمين وللتعرف إلى العدو الرأسمالي قرأ الكثير عن الولايات المتحدة وعن نقد الثقافة فيها في أعمال مثل الإنسان ذو البعد الواحد لهربرت ماركوزه نتج عن كل ذلك مجموعة من المقالات المترجمة في الفلسفة الماركسية ثم إصداره الترجمة الأولى لغرامشي مع الصديق والرفيق آنذاك وقد كان يسمي نفسه زاهي شرفان والذي هو في الواقع الكاتب وضاح شرارة ولم يغفل العظمة نشره في مجلة دراسات عربية ودار الطليعة ونشوء صداقة وثيقة بينه وبين بشير الداعوق وهو زوج غادة السمان مؤسس المجلة والدار تتبع دراساته منهجا علميا خاليا من الأفكار المسبقة وإلى قسطنطين زريق المؤرخ والمفكر العربي الذي رحل عام 2000 تحية تقدير أزجاها العظمة في كتاب صدر بعد ثلاث سنوات من رحيل زريق بعنوان قسطنطين زريق عربي للقرن العشرين وهو يرى أن زريق الذي ابتدع مفهوم النكبة وكتب عام سبعة وستين بعنوان النكبة مجددا من مؤسسي الفكر القومي العربي بشكله الصافي المبني على عقل تاريخي نقدي فاحص لا قومية رومانسية على مثال حزب البعث بل بدراسته الواقع السائر إلى التقدمية والحداثية في التاريخ المعاصر مترجما في إنجازات الدول العربية الحديثة ماذا تبقى ماذا تبقى من دمشق التي ظعن منها وكان يفترض أن تكون الراحلة التي حين ترحل يسمونها القافلة على سبيل التفاؤل كما الصحراء التي نسميها مفازة أملا في النجاة من الضياع اقتصرت علاقته بدمشق على الأسرة وأصدقاء الطفولة ولكنه بعد أن طبقت شهرته الآفاق في المحافل العلمية الغربية والهندية والتركية لم يدع إلى دمشق سوى مرة يتيمة من خلال المركز الثقافي الدنماركي في ندوة حول العلمانية وبإذن من المخابرات في هذه الأثناء قال إن اختلاطه كان أوثق في المحيط العربي من لبنان ومصر والمغرب وغيرها والحال عنده أن سورية باتت منغلقة إذا كان الرجل المخضرم بين التحولات الكبرى إبان الحرب الباردة وما تلاها مسكونا بذلك التطاحن الفكري والأدبي والفني فإنه حتى اللحظة يفضل الكتابة على خلفية موسيقية عالية منذ المراهقة كان لديه مزاج موسيقي متعدد الأبعاد كما قال ومن هذا الكلاسيكي الغربي كما يميل إلى موسيقى الفادو البرتغالية وعربيا قال إنه أميل إلى سماع القديم من محمد عبد الوهاب وأم كلثوم

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح