هل تستعيد أوروبا استقلالها الاقتصادي في مواجهة الصين وأميركا

٥٣ مشاهدة
أعاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التذكير بتحذيراته حيال ما ينتظر أوروبا مشددا على ضرورة الاستقلالية الاقتصادية والإنتاجية للقارة إثر صدمة الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي بريكست وظهور تعارض واضح مع اتجاهات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في سبيل حماية الشركات الأميركية جاءت رسالة ماكرون الأخيرة في جامعة السوربون قبل أيام واضحة قائلا علينا أن نأخذ أوروبا إلى مستوى جديد كليا فالتبعية للولايات المتحدة مرفوضة عند ماكرون وخصوصا في مجال الثقة بواشنطن حين يتعلق الأمر بالمنافسة مع الأميركيين وانتهاجهم سياسات دعم حكومي لشركاتهم بما يؤثر على عدالة التنافس مع الشركات الأوروبية فكرة التبعية لأميركا تؤرق باريس وغيرها ممن لا يتحدثون بصوت مرتفع ومسموع مثلما فعل ماكرون في مرتين الأولى في 2017 والثانية أمام السوربون الخميس الماضي وقبل انتخابات البرلمان الأوروبي بأسابيع قليلة تفسير الخطاب الجديد على أنه جزء من حملة انتخابية يقودها ماكرون على ضوء التقدم البارز لجناح اليمين المتشدد في حزب التجمع الوطني اليميني الشعبوي المتوقع حصوله على نحو 32 من أصوات ناخبي فرنسا إلى برلمان القارة في يونيو حزيران القادم لا تلغي أن خطاب الرجل الأخير موجه إلى كل الأوروبيين وليس فقط للناخبين الفرنسيين الذين يبدو أنهم يديرون ظهورهم وفق الاستطلاعات الأخيرة ومن بينها استطلاع شركة ايبسوس لقياس الرأي لحزبه النهضة الليبرالي بحيث لا تعطيه الاستطلاعات أكثر من 16 في حين بلغت نسبة التصويت المتوقع للحزب الاشتراكي الفرنسي 13 في خطابه السابق عام 2017 في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد التصويت على بريكست 2016 وانتخاب دونالد ترامب في أميركا تحدث ماكرون عن مفهوم الاستقلال الاستراتيجي محذرا من انتهاج الحليف الأميركي مسارا انعزاليا ومشددا على فكرة امتلاك الأوروبيين القدرات على اتخاذ قراراتهم المتعلقة بمصالحهم الاستراتيجية بعيدا عن التشكيك في الالتزام الأميركي المستمر بحلف الأطلسي الموقف لقي بعض التأييد من المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل في سياق تشكيك ترامب آنذاك ببقاء بلاده على الخط الحمائي نفسه الذي انتهجته مع حليفتها الأوروبية في الحرب العالمية الثانية وطرح فكرة المال مقابل الحماية وفي خطابه الأخير في جامعة السوربون ذهب منطق ماكرون إلى أبعد من ذلك فقد أصر الرجل على أن أوروبا ينبغي لها أن تتعلم كيف تكون لها طموحات خاصة بمصالحها وألا تعرض نفسها لنقاط الضعف من خلال الاعتماد على لاعبين عالميين كبار بل لا ينبغي لأوروبا ببساطة أن تخشى الاعتراف بأننا الاتحاد الأوروبي اليوم أكثر من مجرد سوق لكل شيء من المكسرات إلى السفن والنقانق وتوربينات الرياح إذ يرى ماكرون أنه على أوروبا أن تتبنى مفهوم الاستقلال الذاتي الاستراتيجي وخصوصا على ضوء الحرب الروسية في أوكرانيا وتغير كبير يطرأ على مسار القارة العجوز الجيوسياسي اليوم تبدو أطروحات ماكرون ذات صدى ونغمة مختلفين عن تصريحاته السابقة التي وصفت بأنها عبرت عن تضخم ذاتي فرنسي إذ أصبح النقاش سائدا منذ 2022 في بروكسل فمسار الحرب في أوكرانيا يبدو مؤثرا على قراءة أوروبا لنفسها وخصوصا أنها اعتبرت الغزو الروسي لذلك البلد بمثابة حرب على أرض أوروبا وانخرطت في اقتصاد حرب لتعزيز صناعاتها الدفاعية والقيام بخطوات تجييش غير مسبوقة على مدار أكثر من ثلاثة عقود من انطفاء الحرب الباردة وفي خطابه أمام السوربون ركز ماكرون على الاقتصاد من بوابة أن القارة العجوز بحاجة إلى استثمارات دفاعية مشتركة وعلى تحمل الديون المشتركة لتحقيق الاستثمارات تلك وتساءل كيف يمكننا بناء سيادتنا واستقلالنا إذا لم نتحمل حتى مسؤولية تطوير صناعتنا الدفاعية ما يريده ببساطة هو أوروبا قادرة على فرض قروض مشتركة وبالتأكيد الألمان لا يروق لهم ذلك ومع ذلك اقتنص ماكرون الفرصة لأنه يدرك ما يدور في أروقة وكواليس نقاشات القارة وخصوصا لناحية البعد المالي والاقتصادي الذي يشاهد النزيف الأوكراني وانهيارات الصناعات الدفاعية الأوروبية على الأقل العاجزة عن مجاراة سد عجز مخازنها وتأخر صناعاتها العسكرية مع استمرار دعم الجهد العسكري والاقتصادي الأوكرانيين ومع أن واشنطن خصصت متأخرة حزمة مساعدات ضخمة لكييف فإن العلاقة بين حليفي ضفة الأطلسي أميركا وأوروبا ليست على ما يرام إمكانية موت أوروبا بالنسبة لماكرون ترتبط بتلك القضية المتعلقة بعلاقة القارة بحليفها الأميركي الرجل ضمنيا يقول للأوروبيين لا يمكننا أن نثق بالأميركيين عندما يتعلق الأمر بالمنافسة العادلة والإعانات الحكومية يشير في ذلك إلى برامج المساعدات الحكومية الضخمة التي يقدمها الأميركيون والإعفاءات الضريبية للصناعات الاستراتيجية ما جعل مثيلاتها في القارة الأوروبية تعيش ما يشبه حالة سبات أثرت سلبيا على أسواقها الرأسمالية والشركات الأوروبية لذا يقترح الرئيس الفرنسي دمج الأسواق الأوروبية بصورة أفضل وطرح خطط الدعم الخاصة لمساعدة الشركات الناشئة والمبتكرة إذا أردنا تجنب المزيد من التخلف عن الركب صحيح أن ماكرون منشغل بعدم تحول أوروبا إلى تابعة للولايات المتحدة لكن المسألة أكبر من ذلك ففي سياق عالمي يرى الرئيس الفرنسي أن أوروبا التي اكتشفت في فترة جائحة كورونا اعتمادها الكبير على الصين برغم أنها حققت أداء أفضل في مواجهة كورونا عن بقية الأطراف مثل أميركا وبريطانيا والصين نفسها وخصوصا لناحية الصناعات الطبية من الحبوب المسكنة إلى الأقنعة ومعدات الحماية الأخرى لذا يرى ماكرون أن أوروبا التي تعتمد على صناعات الأطراف الأخرى تحتضر وأنه لا بد من توطين صناعاتها بما يكفل بعض الاستقلالية اليوم يعيش الأوروبيون على وقع تهديد الصين بإمكانية حجب البارود الذي تحتاجه الصناعات العسكرية الأوروبية لإنتاج الذخائر وغيرها من المنتجات الحيوية التي تتأخر أيضا بفعل أزمات سلاسل التوريد القائمة سواء عبر البحر الأحمر أو ازدحام قناة بنما بحسب ما ذكرت صحيفة بوليتيكو الأميركية أخيرا اقتصاديا لا يمكن القول إن أوروبا لم تحقق الكثير وبأنها تموت بالفعل بل هي إشارات تحذيرية تدعو القارة إلى العودة نحو صناعاتها الوطنية وتحقيق استقلالية عن كل الأطراف الدولية التي يمكن أن تؤثر أو تقيد حرية إنتاجها وقدراتها المستقبلية فمع مرور نحو 20 عاما اليوم على انضمام جمهورية التشيك ودول البلطيق والمجر ومالطا وبولندا وسلوفاكيا وسلوفينيا إلى الأسرة الأوروبية يمكن اكتشاف أن تلك الدول حققت قفزات جدية على المستوى الاقتصادي تحت المظلة الأوروبية وهو ما يراهن عليه ماكرون والمؤيدون له بأصوات منخفضة في أوروبا بسبب عدم الرغبة في الدخول في تشنج العلاقات بالقوى الكبرى كالصين وأميركا في تلك الدول التي يمر عقدان على عضويتها يقدم الأوروبيون صورة نجاح باهر في معايير السياسة الاقتصادية فتوسيع الاتحاد الأوروبي يجعله اليوم أقوى من السابق وعلى سبيل المثال فإن بولندا بحسب دراسات وتقارير اقتصادية حديثة أصبح شعبها أكثر ثراء بنحو 40 حاليا عما كان عليه الأمر قبل الانضمام إلى المعسكر الأوروبي ولا يمكن إغفال أن المستشار الألماني أولاف شولتز أبدى أخيرا إعجابه وتأييده لخطاب ماكرون بعد أن وجدت علاقة الطرفين بعض البرودة

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح