ما أشبه الليلة الفلسطينية بالبارحة الفيتنامية

٨١ مشاهدة
رغم الزيادة المطردة في عدد المعطيات والشواهد والحيثيات الدالة على أن تغيرا جديا قد طرأ على المزاج السياسي الأوروبي بعد انكشاف هول الفظائع المرتكبة في حق النساء والأطفال في قطاع غزة وتراكم المؤشرات القوية والمظاهر الحسية على حدوث تحول واسع وحثيث منذ أواخر العام المنصرم في الرأي العام الغربي عموما والأميركي خصوصا إلا أن ذلك كله لم يكن كافيا لاستحضار الصورة الفيتنامية من قبو الأرشيف لعقد مقاربة منطقية مقنعة بين شمس الـفيت كونغ المتوهجة في البال وشمس المقاومة الفلسطينية الساطعة بقوة مضاعفة منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023 كما لم تكن الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات على كثرتها تلك التي عمت شوارع عواصم ومدن غربية ضد حرب الإبادة الجماعية في غزة كافية لعقد هذه المقاربة بين الليلة الفلسطينية في تجلياتها الراهنة والبارحة الفيتنامية المفعمة بالدروس والعبر البليغة لو لم تحدث الانتفاضة الطلابية العارمة في الجامعات الأميركية وتتعاظم الشواهد على أن تبدلا مهما عميقا وواسعا قد وقع بالفعل وصار ملء العين والسمع الأمر الذي أعاد إلى الذاكرة الغضة بعضا من صفحات تلك الثورة الطلابية المماثلة التي نهض بها آباء هؤلاء الشباب الغر الميامين أواخر ستينيات القرن الماضي مع أن هناك اختلافات موضوعية في الزمان والمكان وفوارق بينات بين الحالتين الفلسطينية والفيتنامية إلا أن هناك في المقابل أوجه تماثل لا بأس بها بين سياق الثورة التي انتهت بتسجيل أول هزيمة عسكرية أميركية لا تقبل التأويل بفضل الدعم السوفييتي والصيني غير المحدود ومخاض الثورة التي تكونت فوق بساط الريح حسب وصف البطل الفيتنامي الجنرال فون نجوين جياب وحفلت مساراتها العسيرة بالإنجازات والانتكاسات إلا أنها ظلت تواصل التجدد والانبثاق من تحت الرماد فاستحقت بذلك لقب أطول ثورة معاصرة وتولت بجدارة حمل الراية الفيتنامية وحازت وحدها شرف الصمود في ممر مارثون حركة التحرر العالمية لسنا اليوم في معرض تقليب تلك الصفحات واستدعاء مواطن الشبه ومواضع الاختلافات بين الثورتين وإنما الغاية الإمساك باللحظة الراهنة المسكونة بالدلالات السياسية اللافتة والتحولات الجارية على خلفية التفاعلات والمشاهد المتدفقة من ساحات عشرات الجامعات الأميركية التي سبق أن قالت كلمتها عند كل مفترق طرق وصنعت الفارق وقلبت المفاهيم والقيم والرأي العام فأوقفت التورط في حرب فيتنام فكانت تلك الانتفاضة بمثابة الشرارة التي أشعلت الحريق وحفرت في الوعي الأميركي وساهمت في تحقيق انتصار ثورة الحفاة كما فعلتها ثانية ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وها هي اليوم تشي بتكرار فعلتها المجيدة مرة ثالثة لصالح شعب فلسطين وأحسب أن الثورة الطلابية المتصاعدة من أعرق الجامعات الأميركية قابلة للتصاعد أكثر والتحول إلى ثورة قيمية اجتماعية على خلفية القمع الذي أدى إلى انتشار ظاهرة التمرد على دعم الإدارة المتصهينة المفرط بالمال والسلاح لربيبتها دولة الاحتلال وأنها مرشحة للاحتدام ضد حرب الإبادة وضد المشاركة الأميركية في المقتلة الرهيبة الأمر الذي من شأنه تعزيز التحول الجاري وتزخيمه وتوسيعه أكثر ناهيك عن تجريد إدارة جو بايدن من كل زعم أخلاقي تقود هذه التطورات النخب الطلابية وقادة الأكاديميا الأميركية وهي محرك التغيير في كل مكان وزمان تتخطى آثارها المباشرة نطاق الولايات المتحدة بدورها القيادي الملهم ونموذجها الباذخ وقوتها الناعمة ليطاول مختلف المجتمعات الغربية ويؤثر تدريجيا في مواقفها التقليدية ولا سيما تغاضيها المتواصل عن مظاهر الوحشية الإسرائيلية واستسلامها التام للسردية القائمة على الترهيب بفزاعة معاداة السامية ولعل هلع نتنياهو وفريقه الفاشي من مفاعيل هذه الظاهرة التي يعلو سماءها شعار فلسطين حرة من البحر إلى النهر هو الدليل بعينه على أن بداية نهاية العصر الإسرائيلي قد بدأت وأن قطوف طوفان الأقصى قد دنت تبقى ضرورة إبداء الأسف الشديد ونحن نرى هذا التصحر في الحياة الطلابية والنقابية والحزبية العربية قبالة انتفاضة طلاب الجامعات الأميركية ومحاضريها ونتلمس هذا الخدر العربي اللذيذ والموات العجيب الغريب من حولنا وهو يغشى طلبة جامعاتنا من الماء إلى الماء فيما أمواج الثورة الطلابية تتعاظم وتمتد من كندا إلى أوروبا بل إلى أستراليا ونيوزيلندا واليابان

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح